في أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته

في أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك، اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى قال صاحب إعلام الساجد بأحكام المساجد: جمعت في ذلك سبعة عشر اسمًا وهي من النفائس المهمة المسجد الأقصى وسمي الأقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام وقيل لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث وروي أن عبد اللَّه بن سلام قال للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما تلا قوله تعالى: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] ولم سماه الأقصى قال: لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئًا ولا ينقص قال: صدقت ومسجد إيليا بهمزة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء آخر الحروف ثم ألف ممدودة ككبرياء وحكى البكري فيها القصر ومعناه بيت المقدس حكاه الواسطي في فضائله وحكى صاحب الطوالع فيه لغة ثالثة حذف الياء الأولى وسكون اللام وبالمد وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن ابن عباس الياء بألف ولام، واستغربه النووي.
وبيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف، أي المكان المطهر من الذنوب، واشتقاقه من القدس، وهي الطهارة والبركة. والقدس: اسم مصدر في معنى الطهارة والتطهير، وروح القدس: جبريل عليه السلام؛ لأنه روح مقدسة، والتقديس: التطهير، ومنه وتقدس لك: أي تنزهك عما لا يليق بك، وفيه قيل للسطل: قدس لأنه يتطهر منه فمعنى بيت المقدس المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، ويقال: المرتفع المنزه
عن الشرك، والبيت المُقَدَّس: بضم الميم وفتح الدال المشددة، أي المطهر وتطهيره إخلاؤه من الأصنام، وبيت المقدس بضم الدال وسكونها لغتان، وسلم لكثره سلام الملائكة فيه.
قال ابن موسى: وأصله شلّم بالمعجمة وتشديد اللام اسم بيت المقدس، ويروى بالمهملة وكسر اللام، كأنه عربه ومعناه بالعبرانية: بيت السلام، "وأرشلم" بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة وكسر اللام المخففة قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى والأكثرون بفتح الشين واللام وكوره الياء وأرشليم، وبيت آيل وصيهون، وقصرون بصاد مهملة وثاء مثلثة، وبابوش بموحدتين وشين معجمة، وكور شلاه وشليم وأزيزل وصلون.
وقال في مثير الغرام: يقال: بيت المقدس بالتخفيف والتثقيل، والقدس بالسكون والتحريك، والأرض المقدسة والمسجد الأقصى وإليا وإيليا وشلم بالتشديد، وأورشلم أي بيت الرب وصهيون بصاد مهملة مكسورة، ويقال لبيت المقدس: الزيتون، ولا يقال له: الحرم.
وأما فضائله فلا تحصى ولا تحصر ولا تستقصى، والذي يدل على فضله من كتاب اللَّه -تعالى- قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] فلو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة، ولأن اللَّه -تعالى- لما أراد أن يعرج بنبيه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى سمائه جعل طريقه عليه تبينا لفضله، وليجعل له فضل البيتين وشرفهما، وإلا فالطريق من البيت الحرام إلى السماء كالطريق من بيت المقدس إليها، وسبحان اللَّه تنزيه عن السوء ومضاه يسبح اللَّه تعالى تسبيحا، والمسجدان المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وبهما وقع التصريح في الآية الشريفة، وباركنا حوله: أجرى اللَّه حول بيت المقدس الأنهار وأنبت الثمار وأظهر البركة، والبركة: الثبات يراد به ثبات الخير، ومضى تبارك اللَّه: ثبت الخير عنده أو في خزائنه،
وقيل: علا وتقدس من العظمة والجلال، وقيل: من البقاء والدوام، وقال خالد بن حازم: قدم الزهري بيت المقدس فجعلت أطوف به في تلك المواضع فيصلي فيها، قال: فقلت له: إن ههنا شيخا يحدث عن الكميت يقال له: عقبة بن أبي زينب، فلو جلسنا إليه، قال: فجلسنا إليه فجعل يحدث عن فضائل بيت المقدس، فلما أكثر قال الزهري: أيها الشيخ إنك لن تنتهى إلى ما انتهى إليه قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] ومنها قوله تعالى لبني إسرائيل {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58] فلم يخص اللَّه تعالى مسجدا سوى بيت المقدس بأن وعدهم أن يغفر لهم خطاياهم بسجدة فيه دون غيره إلا بفضل خصه به، ومنها قوله تعالى لإبراهيم ولوط عليهما السلام: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] والمراد به بيت المقدس، ومنها قوله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] قال بعض المفسرين: المراد بيت المقدس، ومنها قوله تعالى لبني إسرائيل: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21] فسماه اللَّه تعالى مرة مباركا ومرة مقدسا ومنها قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43]
قيل: إلى صخرة بيت المقدس، ومنها قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93] قيل: بوأهم الشام وبيت المقدس خاصة، ومنها قوله تعالى: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] قيل: إنه ينادي من صخرة بيت المقدس، ومنها قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14] والساهرة إلى جانب بيت المقدس.
ومنها قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1] قال عقبة بن عامر التين دمشق والزيتون بيت المقدس، ومنها قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] هو سور بيت المقدس؛ باطنه أبواب الرحمة وظاهره "واد" جهنم ومما يدل على فضله من السنة ما رواه أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- يبلغ به قال: "تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد:
المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" وفي لفظ من رواية أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى بيت المقدس، ولا صيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر، ولا صلاة في ساعتين: بعد صلاة الغداة إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ولا تسافر امرأة يومين إلا مع زوج أو ذوي رحم محرم". وفي لفظ آخر من رواية أبي سعيد الخدري وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا، ولا تسافر امرأة مسيرة يومين إلا مع زوجها أو ذي رحم محرم من أهلها".
عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قلت يا رسول اللَّه أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم قال: "المسجد الأقصى" قال: قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" قال: "فأيهما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد" وعن عمران (بن حصين) قال: قلت: يا رسول اللَّه ما أحسن المدينة! قال: "كيف لو رأيت بيت المقدس وهو أحسن". فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وكيف لا يكون وكل من بها يزار ولا يزور، وتهدى إليه الأرواح ولا يهدى روح بيت المقدس إلا إلى اللَّه، أكرم المدينة وطيبها بي وأنا فيها حي، وأنا فيها ميت، ولولا ذلك ما هاجرت من مكة، فإني ما رأيت القمر في بلد قط إلا وهو بمكة أحسن". وقال كعب: "لا تقوم الساعة حتى يزور البيت الحرام بيت المقدس فيقادان إلى الجنة
جميعا، وفيهما أهلهما والعرض والحساب ببيت المقدس) وقال سليمان: لقد يأتي مسجد اللَّه إلى بيت المقدس يعنى يؤتى بالكعبة إلى بيت المقدس، قال: وأنزل اللَّه بني إسرائيل الأرض المقدسة وكان منهم من الأنبياء داود وسليمان عليهما السلام ملكوا الأرض فسماها اللَّه -تعالى- مرة مباركة ومرة مقدسة.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] يقال: أرض الجنة يرثها العالمون بطاعة اللَّه -تعالى- وقيل: الأرض الدنيا، والصالحون أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيل: هم بنو إسرائيل، وقيل: الأرض ههنا التي يجتمع عليها أرواح المؤمنين، يعني يكون البعث، ويقال: الأرض المقدسة يرثها محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114] نزلت في منع الروم المسلمين من بيت المقدس فأذلهم اللَّه وأخزاهم ولا يدخله أحد منهم أبدا إلا وهو خائف متلفع ثوب الخزي والهوان والصغار، قال عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنه-:
إن الحرم المحرم في السموات السبع بمقداره في الأرض وإن بيت المقدس لمقدس في السموات السبع بمقداره في الأرض.
وقال كعب: إن اللَّه ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين، وقال: باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ينزل منه الحنان والرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة، وقال: ما مثل بيت المقدس عند اللَّه وسائر الأرضين، وللَّه المثل الأعلى، إلا كمثل رجل له مال كثير وفيه كنز وهو أحب ماله إليه فإذا أصبح لم يطلع على شيء من ماله قبل كنزه ذلك، كذلك رب العالمين في كل صباح لا يطلع في شيء من الأرض قبلها يدر عليها حنانه ورحمته ثم يدرها بعده على سائر الأرضين.
عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس" قال أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: إن الجنة لتحن شوقًا إلى بيت المقدس وبيت المقدس من جنة الفردوس والفردوس الأعلى هو ههنا ربوة في الجنة هي أواسط الجنة وأعلاها وأفضلها. وقال: من أتى البيت الحرام
غفر له ورفع له ثماني درجات،
ومن أتى مسجد الرسول غفر له ورفع له ست درجات، ومن أتى بيت المقدس غفر له ورفع له أربع درجات قال: من استعفر للمؤمنين والمؤمنات ببيت المقدس في كل يوم خمسا وعشرين مرة؛ وقاه اللَّه المتالف وأدخله في البدلاء، وعن خالد بن سعدان أن حذو بيت المقدس باب من السماء يهبط اللَّه كل يوم منه سبعين ألف ملك يستغفرون لمن يجدونه يصلي فيه قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن للَّه بابا في سماء الدنيا نحو بيت المقدس ينزل منه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون اللَّه لمن أتى بيت المقدس فصلى فيه".
وعن وهب بن منبه: أهل بيت المقدس جيران اللَّه تعالى وحق على اللَّه -تعالى- أن لا يعذب جيرانه".
وعن أبي جريج عن عطاء أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يسوق خيار عباده إلى بيت المقدس فيسكنهم اللَّه إياها. وقال عبد اللَّه بن عمر: بيت المقدس بنته الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وعمرته، وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه ملك أو نبي، فلعل جبهتك أن توافي جبهة ملك أو نبي، وقال مقاتل بن سليمان: ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى عليه نبي مرسل، أو قام عليه ملك مقرب.
وذكر أن في كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك إلى مسجد بيت المقدس، يهللون اللَّه ويكبرونه ويسبحونه ويحمدونه ويقدسونه ويمجدونه ويعظمونه ولا يعودون إلى أن تقوم الساعة ويروى عن معاذ أنه أتى بيت المقدس فأقام به ثلاثة أيام ولياليها يصوم ويصلي، فلما خرج منه وكان على الشرف ثم أقبل على أصحابه فقال: أما ما مضى من ذنوبكم فقد غفر اللَّه تعالى لكم، فانظروا ما أنتم صانعون ما بقي من أعماركم.