مقدمة كتاب الاصطلام في الخلاف بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة

قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام قدس الله روحه ونور ضريحه: بالله أستعين، وإياه أحمد، وعليه أتوكل، ومنه استهدي، وبه ألوذ، وفيه أجاهد، له الفضل والثناء الأسنى، وله الصفات العلى والأسماء الحسنى، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، وأعذنا من هواجس أنفسنا، ومضلات أرائنا وخواطرنا، وأمدنا بلطفك العزيز، وأقبل علينا بوجهك الكريم (اللهم اجعل صدري خزانة توحيدك، ولساني مفتاح تمجيدك، وجوارحي في حرم طاعتك، فإنه لا عز إلا في الذل لك، ولا غنى إلا في الفقر إليك، ولا أمن إلا في الخوف منك، ولا قرر إلا في القلق نحوك، ولا روح إلا في الكرب لوجهك، ولا راحة إلا في الرضا بقسمتك، ولا عيش إلا في جوار المقربين عندك)، اللهم اجعل سعينا فيما يقرب إليك، وكدنا فيما يوجب رضاك، وقد بزمامنا من حولنا وقوتنا على حولك وقوتك، وأهدنا الأرشد والأوفق فالأوفق والألطف فالألطف.
اللهم ونسألك أن تهدي إلى رسولك وصفيك وخيرتك من خلقك من الصلوات أفضلها وأزكاها، وأتمها، وأنماها وأعدلها وأوفاها، واجعلها وسيلة لنا إلى نيل شفاعته والوصول إلى كريم وجهه، إنك أنت الجواد المنان والرحيم الرؤوف.
أما بعد:
فقد سبق مني كتاب جمعته من الخلافيات سميته ((البرهان)) وبلغت فيه غاية ما رمته على ما اتفق لي من إقامة الدلائل وإيضاح البراهين وإزاحة الشبهات وكشف المعاني غير أن الكتاب طال جداً، فإني لم أكن شرعت فيه شروع طالب للاختصار والإيجار بل قصدت فيه قصد الاستيفاء والاستقصاء وأردت أن يكون ذلك عمدة المدرس لا عدة الحافظ، نعم، وحين طال بي المراس في المسائل، وتردد القول في سبرها وسبكها جدالاً مع المخالفين ومذاكرة مع الأصحاب، وعرضتها على فكرى مرة بعد أخرى وكرة بعد أولى، عرضت في خلال ذلك طرق متينة ومعاني محكمة وأسرار عجيبة ونكت معجبة، ورأيت عجز المعترضين دونها وتضأل المخالفين عندها، وتعظم المتدافعين عند جانبها فعند ذلك رأيت أن أسعى في مجموع آخر للأصحاب خاصة، ولكل من طلبه عامة سعى من طب لمن حب، ألفت فيه بنات صدري وأجمع له كدي وجدي وأبلغ فيه الغاية بجهدي وأجعله زبدة عمري ونهاية فكري، وقصدت فيه قصد الإيجاز والاختصار وهو كتاب لم يطل ذلك الطول المفرط الذي يسأم منه الناظر ولم يقصر قصور العجز عن بلوغ المراد، واعتنيت في المسائل التي أعضلت على فحول النظر زيادة اعتناء، وكشفت عن حقائقها زيادة كشف.
ونصصت على المعاني التي يمكن الاعتماد عليها، ونبهت على كثير من مجازفات المتفقهة وتجوزاتهم وتمسكهم بطرق حقها الإطراح، وغفلتهم عن معاني حقها القبول والإتباع، وذكرت حجج المخالفين بأتم لفظ وأوجز معنى، وأثبت بما يعتمد الأئمة منهم في الوقت، ولم أشتغل بالمستسقط من كلام مشايخهم إلا أشياء لابد من إيرادها والانفصال عنها، وسميت الكتاب ((كتاب الإصطلام)) لإصلامه كلام المخالفين لنا ابتلاء ولإطراحه كثير من كلام مشايخنا المتقدمين توهيناً وضعفاً، وعندي أن من نظر في هذا الكتاب نظر بتأمل غائص في معانيه فهم لحقائقه معرض عن طريقة التعصب والتقليد راي كل كتاب صورة في هذا الفن للمتقدمين والمتأخرين في صورة المطرح المستغني ..... أن يشكر سعيي وتعبي فيه، ويعرف حق قيامي بأعبائه ويمدني بالدعاء ..... ، والله تعالى يعصم من الإعجاب بالقول ويرشد إلى الأصوب والأهدى/ من الأمور بمنه وفضله وعميم طوله.