الكتاب : العقيدة الواسطية بتعليق ابن مانع
في تصنيف : العقيدة | عدد الصفحات : 33
الفهرس
- مقدمة المؤلف | صفحة 3
- الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه | صفحة 3
- الإيمان بما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه | صفحة 12
- الإيمان بأنه فوق عرشه | صفحة 18
- الإيمان بأنه قريب مجيب | صفحة 18
العقيدة الواسطية
تصنيف
شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني المتوفى سنة 728 هـ بدمشق رحمه الله تعالى
كتبها سنة 698 هـ إجابة لطلب أحد قضاة واسط
تقريظ الأديب على زين العابدين خريج الكلية الحربية بمصر:
تلك (العقيدة) ما أجل سناها ... قبس يشع على القلوب هداها
فيها من القرآن كل فضيلة ... تهدي الضليل إلى الهدي بضياها
فيها الفلاح لمن أراد سعادة ... في الدين والدنيا إذا يغشاها
زفت لنا (الإيمان) أجلى صورة ... وروت (صفات الله) في معناها
جلت عن التعطيل والتكييف والتشبية والتمثيل ما أسماها
فتمسكن بعرى العقيدة إنها ... وثقت وصيغ من الهدى مبناها
وزهت بتصحيح (ابن مانع) الذي ... زاد العقيدة قوة وجلاها
فإذا بها شمس يشع ضياؤها ... في كل قلب ضمها ووعاها
علق حواشيها وأشرف على تصحيحها فضيلة العلامة الشيخ: محمد بن عبد العزيز بن مانع مدير المعارف العام - أجزل الله له الثواب وأدامه ذخراً للعلم وطلابه.
الصفحة : 2
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم (¬1)
الحمد لله الذي (¬2) أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه (¬3) وعلى آله وسلم تسليماً مزيدا.
أما بعد: فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره.
الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه
ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل (¬4)
بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
¬_________
(¬1) قوله بسم الله، الجار والمجرور متعلقان بمحذوف والمختار كونه فعلاً خاصاً متأخراً والتقدير أؤلف حال كوني مستعيناً بذكر الله متبركاً به ولفظ الجلالة دال على الصفة القائمة به تعالى وهي الإلهية قال ابن عباس: الله ذو الإلهية والعبودية على خلقه أجمعين، قوله الرحمن الرحيم صفتان لله فالرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم يظهر ذلك بتأمل قوله تعالى (وكان بالمؤمنين رحيما).
(¬2) قوله الحمد لله نقيض الذم وهو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون باللسان والجنان والأركان كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجّبا
(¬3) قوله: صلى الله عليه وسلم أصح ما قيل في صلاة الله على عبده هو ما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة.
(¬4) قوله: من غير تحريف ولا تعطيل، قال الراغب تحريف الشيء إمالته =
الصفحة : 3
فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته (¬1) ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه (¬2) لأنه سبحانه لا سميّ (¬3) له، ولا كُفُوَ له، ولا نِدَّ له (¬4) ولا يقاس
¬_________
= كتحريف القلم. وتحريف الكلام: أن نجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين. قال الله عز وجل (يحرفون الكلم عن مواضعه) وصفات الله داله على معان قائمة بذات الرب جل جلاله لا تحتمل غير ذلك فيجب الإيمان والتصديق بها وإثباتها لله إثباتاً بلا تمثيل لأنه ليس كمثله شيء وتنزيهاً له تعالى عن مشابهة خلقه بلا تعطيل، والتعطيل جحد الصفات الإلهية وإنكار قيامها بذاته تعالى كما هو قول المعتزلة والجهمية، وكذلك لا تكيف صفاته كما لا تكيف ذاته ولا تمثل ولا تشبه بصفات المخلوقين لأنه ليس له كفء ولا مثيل، ولا نظير، ويرحم الله ابن القيم حيث قال:
لسنا نشبه وصفَه بصفاتنا ... إن المشبِّه عابدُ الأوثان
كلاّ ولا نُخليه من أوصافنا ... إن المعطِّل عابدُ البهتان
من شبَّه الله العظيم بخلقه ... فهو الشبيه لمشْركٍ نصراني
أو عطَّل الرحمن من أوصافه ... فهو الكفور وليس ذا الإيمان
(¬1) الإلحاد إما يكون بجحدها وإنكارها، وإما بجحد معانيها وتعطيلها، وإما بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلات، وإما بجعلها اسماً لهذه المخلوقات كإلحاد أهل الإلحاد.
(¬2) لأن الصفة تابعة للموصوف فكما أن الموصوف سبحانه لا تعلم كيفية ذاته فكذلك لا تعلم كيفية صفاته مع أنها ثابتة في نفس الأمر.
(¬3) أي مثيلاً ونظيراً يستحق اسمه وموصوفاً يستحق صفته على التحقيق، وليس المعنى ما نجد من يتسمى باسمه إذ أن كثيراً من أسمائه قد يطلق على غيره لكن ليس معناه إذا استعمل فيه كان معناه كما إذا استعمل في غيره.
(¬4) الأنداد: الأمثال والنظراء، فكل من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله رغبة فيه أو رهبة منه فقد اتخذه نداً لله لأنه أشرك مع الله فيما لا يستحقه غيره وذلك كحال عباد الأموات الذين يستعينون بهم وينذرون لهم ويحلفون بأسمائهم.
الصفحة : 4
بخلقه سبحانه وتعالى فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه. ثم رسله صادقون مصدوقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولهذا قال (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين) فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمىَّ به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون. فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن حيث يقول: (قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد) وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه حيث يقول: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسِيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما - أي لا يَكْرِثه ولا يُثْقِلُه (¬1) - وهو العلي العظيم) ولهذا كان من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. وقوله سبحانه: (هو الأول والآخِر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) وقوله سبحانه: (وتوكل على الحي الذي لا يموت) وقوله (وهو العليم الحكيم)، (وهو الحكيم الخبير)، (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) - (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر
¬_________
(¬1) قال في القاموس وشرحه: كرثة الأمر والغم يكرثه بالكسر ويكرثه بالضم اشتد عليه وبلغ منه المشقة، قال وكل ما أثقلك فقد كرثك، قال الأصمعي لا يقال كرثة وإنما يقال أكرثه.
الصفحة : 5
وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وقوله: (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) وقوله: (لتعلموا أنَّ الله على كل شيء قدير وأنَّ الله قد أحاط بكل شيء علماً) وقوله: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) وقوله: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وقوله: (إن الله نِعِمَّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً) وقوله: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) - (ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) وقوله: (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يُتلى عليكم غير محلىِّ الصيدِ وأنتم حُرُم.
إن الله يحكم ما يريد)، وقوله: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء) وقوله: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) - (وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) - (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين) - (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وقوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقوله: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) وقوله: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) وقوله: (وهو الغفور الودود) وقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) - (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما) - (وكان بالمؤمنين رحيما) - (ورحمتي وسعت كل شيء) - (كتب ربكم على نفسه الرحمة) - (وهو الغفور الرحيم) - (فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين) وقوله: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) وقوله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه) وقوله: (ذلك بأنهم اتَّبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه)، وقوله: (فلما آسفونا انتقمنا منهم) وقوله: (ولكن كرهَ الله انبعاثهم فثبطهم) وقوله: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وقوله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر)، وقوله: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم
الصفحة : 6