التعريف بابن الفوطيّ البغداديّ صاحب كتاب مجمع الآداب في معجم الألقاب

ابن الفوطيّ 642 - 723 هـ إلى 1244 - 1323 م
في اليوم السابع عشر من المحرم سنة 645 الهجرية، ولد في درب القوّاس من المحلّة الخاتونية الخارجة عن دار الخلافة العبّاسيّة في شرقيّ بغداد، وليد مبارك العمر، مأمول الخير، منتظر المستقبل، هو الوليد الذي قدّمه إلينا التاريخ باسم «كمال الدين أبي الفضل عبد الرزّاق بن أحمد بن محمد المعروف بابن الفوطيّ البغداديّ المؤرّخ الأخباري المحدّث».
ولد ابن الفوطيّ في بيت من بيوتات أعيان الحنابلة، كان يدّعي النسب الى العرب، والانتماء الى الأمير الكبير معن بن زائدة الشيباني منهم؛ وكانوا من أهل مرو بخراسان، كالإمام أحمد بن حنبل الشيباني، صاحب المذهب، ومن قبيلته نفسها على حسب دعواهم، وكانت محلّتهم الخاتونية الخارجة بحكم مجاورتها لدار الخلافة العبّاسيّة من مواطن أرباب الثراء، وأهل الوجاهة والجاه، وذوي الجدّة واليسار، ولمّا ولد دعي أحد المنجّمين؛ وهو مجد الدين أبو الفرج محمّد بن محمّد الموصليّ المنجّم، لعمل مولده على حسب طريقة أهل التنجيم، فعمله كما كان يعمل عليه القوم لأولادهم.
وكان والده تاج الدين أحمد بن محمّد من الوجهاء والمختلفين الى مجالس الزهّاد والصالحين والمحدّثين والادباء والمتصوّفة؛ وكان أخوال والده من بيّاعي الفوط فعرف بابن الفوطيّ نسبة الى أخواله، وجاء في نسبه أيضا «ابن الصابونيّ»، وكانت والدته من بيت معروف بالرئاسة والتقدّم في الدولة العبّاسيّة؛ ومشهور بنسب «الظهيريّ» فعمّها كمال الدين أبو شجاع محمد بن سعيد بن الظهيريّ، كان تارة حاجب باب النوبيّ كما في سنة 583 هـ من خلافة الإمام الخليفة العظيم الناصر لدين الله؛ وتارة حاجب باب المراتب كما في سنة 602 هـ؛ وكان حاجب باب يتولّى شؤون الأمن والشرطة في بغداد؛ وحاجب باب المراتب يتولّى حجابة آخر أبواب دار الخلافة، وهو مدخل شريف من مداخل دار الخلافة.
كان مولد ابن الفوطيّ في خلافة المستعصم بالله الشهيد آخر الخلفاء العبّاسيّين ببغداد، وكانت خلافته برهة اختلال في شؤون الدولة، واضطراب في الحكم والسلطان، وتضاؤل في جسم الدولة العبّاسيّة، أدت الى نحولها وانحلالها، ثمّ الى سقوطها وزوالها على يدي الطاغية هولاكو بن تولي بن جنكيز خان التّتار.
وكان لابن الفوطيّ أخ اسمه عبد الوهاب، ولقبه بدر الدين، لم نعلم من أحواله شيئا سوى ما هو آت في سيرة أخيه.
وقد نشّئ ابن الفوطيّ تنشئة أبناء الأعيان في ذلك الزمان؛ وحضر مند الصّبا مع والده مجالس الوعّاظ والصوفيّة المذكّرين والادباء الرّواة؛ ولقي معه الزهّاد والدّعاة الى الله تعالى، فتبرّك بهم وباركوه على قلّة هذه الوجهة عند الحنابلة، وندور المولّين لها منهم، وأحضره والده أيضا مجالس كبراء المذهب الحنبليّ في أيّامه. واتّصل بأبناء الامراء الادباء؛ كما ذكر في ترجمة أبي نصر محمّد (¬1) ابن الأمير سيف الدين أيدمر المستعصميّ، مؤلّف كتاب «الجوهر الفريد وبيت القصيد (¬2). قال: هو «من أبناء الامراء الأعيان العظماء، ذكر لي أنّه ولد ببغداد رابع رجب سنة تسع وثلاثين وستمائة ... وكان بيني وبينه معرفة وصداقة واتّحاد منذ سنة خمسين [وستمائة]، ولمّا قدمت بغداد كنت أتردّد الى خدمته ويشرّفني أيضا بحضوره ...».
ودرس مقامات الحريريّ، وسمع الحديث النّبويّ مع ذي قرابته قوام الدين أبي الفضل عبد القاهر بن محمد بن الفوطيّ. فقد قال في ترجمة: «كان شابّا ذكيّا، اشتغل (¬3) على والده موفّق الدين، ودرس عليه كتاب الألفيّة لابن معطى، وكان رفيقي في حفظ المقامات الحريريّة وسماع الأحاديث النبويّة، على شيخنا الصاحب الشهيد محيي الدين يوسف بن الجوزي استاذ الدار (¬4). وسلم ببغداد في الواقعة؛ وتعلّم صنعة التجارة ومهر فيها، ونسب إليه أنّه كان يكاتب ملوك الشام، وأرادوا تصديعه فهرب الى دمشق (والفرار ممّا لا يطاق من سنن المرسلين)،
ومات بدمشق سنة سبع وثمانين وستمائة ... (¬1)».
وكانت دراسته المقامات على موفّق الدين أبي محمد، عبد القاهر بن محمد ابن الفوطيّ المذكور؛ قال في موجز سيرته: «كان من الادباء الأعيان والفضلاء البلغاء، أرباب البيان الفصحاء ... وكان خال والدي، وحفّظني المقامات الحريريّة، وأسمعني بقراءته جامع الترمذي وغيره ... واستشهد في الوقعة سنة ست وخمسين وستمائة».
ومن الأحاديث التي سمعها على محيي الدين يوسف بن الجوزي «الأحاديث الثمانيّة»، ويرويها محيي الدين بن الجوزي عن الخليفة المعتصم بالله.
ومن الشيوخ المدرّسين الذين حضر مجالستهم، كمال الدين أبو الحسن علي بن محمّد بن وضاح، الشهراباني الأصل، البغدادي، الفقيه الحنبلي مدرّس الحنابلة في المدرسة المستنصرية، قال: «وقد رأيته قبيل الواقعة وتردّدت اليه في خدمة والدي - رحمهما الله -»، ومن الشيوخ الادباء الرّواة الذين حضر مجالسهم مع والده، كمال الدين أبو الحسن علي بن عسكر، الحمويّ الأصل البغدادي، ووالده عسكر الحموي التاجر كان سيّد ياقوت الروميّ، والى نسب سيّده عسكر انتسب «حمويّا»، فعرف بياقوت الحمويّ. قال في سيرته الموجزة:
«كان صدرا كاملا، ورئيسا فاضلا، وكان من جيراننا في المحلّة الخاتونية الخارجة، وحضرت مجلسه في خدمة والدي تاج الدين [أحمد] في جماعة كانوا يسمعون عليه (معجم الادباء) بروايته عن مصنّفيه ياقوت مولاهم. ثبّتني في ذلك شيخنا جلال الدين بن عكبر»، وإنّما ثبّته جلال الدين عبد الجبّار بن عكبر، لأنّه كان صبيّا يومئذ.
وحضر مجلس فخر الدين أبي الحسن علي بن محمد الخفاجي الشاعر الناسخ قال: «كان صديق والدي، رأيته كثيرا، وسمعت إيراده للأشعار ... وكان طيّب الإنشاد، عذب الإيراد، توفّي بعيد الواقعة».
وكان من رفقائه في أوّل سماعه أيام الصّبا مجد الدين أبو المعالي نصر بن عبد الله بن أحمد الحربي الحنبلي الأديب، ومحبّ الدين أبو سعد أحمد بن عبد الواحد البصريّ الشاهد العدل؛ وقوام الدين أبو الفضل محمد بن الفوطيّ المذكور آنفا.
وقد ظهر ميله مبكّرا الى الأدب والتاريخ وعلم النّسب، فضلا عن علم الحديث المشهور بين الحنابلة، وزاد من إقباله على علم النّسب وجدانه أهله ينتسبون الى معن بن زائدة الشيبانيّ، وقد ولّد ذلك في نفسه التفوّق والترفّع، وإن عرف بالتواضع ووطاءة الجانب في آخر عمره، لما قاساه من أحداث الزمان، ولما أناءه من عبء السنين الفادح. وذلك الولوع بعلم النّسب ساعد على تكوّن ملكته التاريخيّة؛ فلا أنساب بلا تاريخ؛ وقد أخذ منذ عنفوان شبابه يقيّد مواليد الشيوخ ووفياتهم، ويثبّت في مجموعه فوائدهم، على عادة طلاّب الحديث الفوقة.