تعريف القواعد الفقهية

القاعدة معناها لغة: الأساس، وهي أصل الشيء الذي يُبنى عليه، حسياً كان أم معنوياً.
فالحسي: كقواعد البيت وهي أركانه التى يُبنى عليها.
والمعنوي: كقواعد الدين، أي أسس الدين.
واصطلاحاً: اختلف فيه كثيراً، في خصوص قواعد الفقه قيل: إنها حكم أغلبي
الصفحة : 8
ينطبق على معظم جزئياتها. . هذا تعريف من تعريفات قواعد الفقه.
ونحن نعرف أن غالب الحدود لا تنضبط تماماً بل يَرِدُ عليها أشياء ليست منها، ويخرج منها أشياء هي منها، فعلى هذا قولهم: إن القاعدة هي حكم أغلبي فهذا تعريف عام يشمل القواعد في الفقه وغير الفقه، ولأجل هذا عبَّر غيرهم مكان هذا التعريف فقال: هي حكم كلي يدخل فيه جميع جزئياته. . لكن التعريف الأول أقرب لأن كثيراً من القواعد يحصل لها استثناءات.
* ثانياً: يذكر العلماء في باب القواعد ما يسمى الضابط، فهل هو ومسمى القاعدة واحد أو بينهما فرق؟
طريقة جمهور من يصنف في قواعد الفقه لا يفرقون بحسب التَّتَبع، فتجدهم يذكرون كتب القواعد ويقولون قاعدة، فيذكرون قاعدة كُليّة في أبواب الفقه كلها أو في أكثرها، أو يذكرون قاعدة في باب واحد، وهي إذا كانت في باب واحد فإنها تكون ضابطاً، ومع هذا هم يسمونه قاعدة، وهذا يقع كثيراً في قواعد الحافظ ابن رجب - رحمه الله -، وكذلك كتاب الفروق للقرافي، وغيرهم ممن كتب في قواعد الفقه، فتجدهم لا يفرقون بين القاعدة والضابط.
بل بعضهم قد يذكر ضوابط كثيرة، وقلَّ أن يذكر قاعدة ويسميه كتاب القواعد، أو قواعد الفقه، أو عبارة نحو هذا، فلهذا تجدهم لا يفرقون، وكثير منهم فرّق من جهة الاصطلاح، لكن من جهة العمل والتطبيق لا يفرقون، فكثير منهم يقولون: إن القاعدة تكون في جميع أبواب الفقه أو في أكثرها، فمثلاً قاعدة
الصفحة : 9
"اليقين لا يزول بالشك"، وقاعدة "العادة محكِّمة"، وقاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، وقاعدة "المشقة تجلب التيسر"، وقاعدة "الأمور بمقاصدها"، هذه قواعد كُليّة في أبواب الفقه كلها أو في أغلبها، هذه هي التي تسمى قواعد، أما إذا كان في باب خاص من أبواب الفقه فإنه في الغالب يسمى ضابطاً، ويسمى ضابطاً لأننا قصدنا إلى مسائل هذا الباب فضبطناها بضابط معين، ثم رتبنا لها عبارات تضبطها، فمثلاً يقولون: كل كفارة سببها المعصية فهي على الفور، ككفارة الجماع في نهار رمضان عمداً، وكفارة الظهار، فهذه خاصة في باب الكفارات، فلذلك هذا لا يسمى قاعدة بل يسمى ضابطاً، وإن سُمّيَ قاعدة فلا حرج، لا مُشاحة في الاصطلاح كما يقولون.
لكن تسميته ضابطاً أضبط عند كثير من أهل العلم في قواعد الفقه، ثم الضوابط تختلف بحسب الخلاف في المذاهب، مثلاً حينما نقول في باب سجود السهو: كل زيادة في الصلاة فمحل السجود بعد السلام، وكل نقص قبل السلام، فهذا ضابط في باب سجود السهو (¬1) وإن سمَّيته قاعدة فلا بأس، مثلاً في أبواب المياه: الماء طهور ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، فهذا ضابط في أبواب المياه، لكن التغير يختلف، بعضهم يجعله إذا تغيّر بشيء من الطهور يسلبه وصف الطهورية.
إذن الضابط يختلف بحسب اختلاف المذاهب، وكذلك القاعدة كما سيأتي - إن شاء الله -، مثلاً فيما ذكرنا قَبْلُ في باب سجود السهو حينما قلنا كل زيادة في
¬__________
(¬1) عند بعض المذاهب، وبعضهم يقول كل سجود قبل السلام إلا في موضعين.
الصفحة : 10
الصلاة فإن سجودها بعد السلام، فهذا يختلف، فبعضهم لا يسلِّم بهذا الضابط في مسمى الزيادة.
وهناك ضابط آخر في باب سجود السهو وهو أقرب من جهة الدليل وهو قولهم: كل سجود في الصلاة فهو قبل السلام إلا ما كان مبنياً على غلبة الظن، أو سلّم في صلب الصلاة، هذا فيما يتعلق في الفرق بين القاعدة والضابط الفقهي.
* ثالثاً: الأشباه والنظائر هل هي مختلفة، أو معناها واحد؟:
هناك كتاب اسمه الأشباه والنظائر للسبكي، وللسيوطى، ولابن نُجيم الحنفي، ففي هذا الباب عندنا ثلاث كلمات: الأشباه والنظائر والأمثال.
الأمثال: هي المسائل المتشابهة من كل وجه، مثل ما نقول: هذا الكتاب مثل هذا الكتاب، هذا الثوب مثل هذا الثوب أي أنه مثله من جميع الوجوه.
الأشباه: هى المسائل المتشابهة في أكثر الوجوه، فإذا كان عندنا مسألتان مشتبهتان من ثلاثة أوجه، وتختلفان من وجهين كانت من الأشباه؛ لأن وجوه الاتفاق أكثر من وجوه الاختلاف.
ومن هذا ما يسمونه قياس الأشباه، أو قياس الشبه، على الخلاف في صحته وفساده ومدى حجّيته، ومعناه أن يختلف في الشيء هل يلحق بهذا الشيء أو يلحق بهذا الشيء، فإذا أشبه هذا الشيء في أكثر المسائل ألحق به، فمن الأمثلة التي ذكروها في هذا: المملوك هل يلحق بالمال أو بالحر؟ فهو من جهة أنه يباع
الصفحة : 11
ويشترى يُشبه الحيوان في مسائل، ومن جهة أنه مُتعبَّد ومكلّف يُشبه الحر.
النظائر: هي المسائل التي يكون بينها شبه في أقل الوجوه، فهذا نظير هذا يعني أنه مثله في وجه من الوجوه.
* رابعاً: القواعد الأصولية والقواعد الفقهية:
أحكام الشرع مدارها على أصلين: قواعد الأصول، وقواعد الفقه.
* قواعد الأصول: هي المسائل التي تحتها أنواع من الأدلة الفقهية، وهذه عبارات يختلف فيها ويختلف في بيانها، وهي وإن كانت واضحة، لكن يختلف في الفرق بينها وبين القواعد الفقهية، وكثير منهم لم يفرق بينها بفرق واضح، لكن هي من جهة التطبيق تختلف.
* فالقواعد الأصولية: هي التي يندرج تحتها أنواع من الأدلة، مثل قولنا الأمر للوجوب، النهي للتحريم، المبَيَّن مقدم على المُجمل، الخاص يقضي على العام، النص مقدم على الظاهر، الظاهر مقدّم على المُؤوَّل، وما أشبه ذلك من قواعد الأصول التى هى أنواع من الأدلة يُحكم بها، فيقال هذا للوجوب، هذا للتحريم، هذا خاص، هذا عام، وما أشبه ذلك.
* القواعد الفقهية: هي المسائل التي يندرج تحتها أحكام فقهية، فإذا نظرت مثلاً إلى قولنا "الأمور بمقاصدها" فرق بينه وبين قولك "الأمر للوجوب"، "الأمور بمقاصدها" يندرج تحتها أنواع من المسائل الفقهية، فمن أخرج مالاً وأعطاه