التعريف بمؤلف كتاب منتهي الإرادات

التعريف بمؤلف كتاب منتهي الإرادات (*)
* المطلب الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته:
اسمه ونسبه: هو العلامة الفقيه الأصولي: محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم بن رُشَيد -بضم الراء مصغرًا- الفتوحي المصري الحنبلي، تقي الدين، أبو بكر، الشهير بابن النجار (¬1).
كنيته: وأما أصل نسبة الفتوحي، فلعله نسب إلى باب "الفتوح" الذي هو جزء من قصبة القاهرة القديمة، والمعروف بناحية قسم الجمالية بجوار الحسينية، وبالقرب من مقبرة "باب نصر" المشهورة.
ولا يبعد أن يكون أحد أجداده القدامى قد أكثر من الخروج للغزو والجهاد، واشتهر بفتح الأمصار والبلاد، فلُقب بـ "الفتوحي"، ثم نسب أولاده إليه.
و"الفتوحي" بضم الفاء: جمع فتح والمراد به: افتتاح دار الحرب (¬2).
* * *
* المطلب الثاني: مولده، ونشأته، وحياته:
مولده: ولد رحمه اللَّه سنة (898 هـ).
وكان مكان ولادته: القاهرة، مصر (¬1).
نشأته وحياته: نشأ تقي الدين الفتوحي -رحمه اللَّه تعالى- في بيت علم، وأدب، وصلاح، وزهد، إذ كان والده أحمد بن عبد العزيز، من كبار فقهاء الحنابلة، وقاضي قضاتهم بالديار المصرية، ومن علماء السنة والحديث والآثار (¬2).
فتأثر -رحمه اللَّه- بهذا الجو العلمي، وبتلك الأسرة الصالحة، فلم تكن حياته حياة لهو وترف ولعب، بل كانت حياة جد، وطلب للعلم، وحرص على الاستفادة والاعتماد على النفس.
فاتجه -رحمه اللَّه- إلى طلب العلم وتحصيله على يد والده وغيره من العلماء في عصره، فحفظ على يد والده "المقنع" وغيره من المتون في أنواع العلوم، ولازمه مع غيره من الطلاب (¬3) ليستفيد من غزير علمه، وتنوع معارفه، ويتربى على أخلاقه، فقد كان والده مع علو مكانته الاجتماعية والعلمية متواضعًا، زاهدًا، ورعًا، لا يحب التكلف.
وقد أثر هذا البيت الصالح في خلقه وصفاته، فكان -رحمه اللَّه- على جانب كبير من حسن الخلق، وكريم الصفات، وسلامة الصدر.
ويشهد لهذا زميله الشعراوي حين ترجم له فقال: "ومنهم سيدنا ومولانا الشيخ، الإمام، العلَّامة، تقي الدين، ولد شيخ الإسلام، الشيخ شهاب الدين الشهير بابن النجار، صحِبته أربعين سنة فما رأيت عليه شيئًا يشينه في دينه، بل نشأ في عفة، وصيانة، ودين، وعلم، وأدب وديانة. . .، وما سمعته قط يستغيب أحدًا من أقرانه، ولا غيرهم، ولا حسد أحدًا على شيء من أمور الدنيا، ولا زاحم عليها وما رأيت أحدًا أحلى منطقًا، ولا كثر أدبًا مع جليسه منه، حتى يود أنه لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا، وبالجملة: فأوصافه الجميلة تَجِل عن تصنيفي" (¬1).
ولم يكن -رحمه اللَّه- من أهل الثراء والمال، ولا من الذين اشتغلوا بالفانية عن الباقية، بل كان على تقشف، وزهد، وتقلل من هذه الحياة الدنيا.
قال زميله في الطلب الجزيري: "وكانت أيامه جميعًا اشتغالًا بالفُتيا، أو بالتدريس، أو بالتصنيف مع جلوسه في إيوان الحنابلة للقضاء، وفصل الأحكام وربما لُمْتُه في ذلك فيعتذر بفقرة، وكثرة العيلة" (¬2).
هذه بعض صور من حياته، وجوانب من نشأته تبين ما كان عليه -رحمه اللَّه- من نشأة صالحة، وحب للعلم، والتحصيل، والإطلاع، وإفادة الناس، وعلو همة، وزهد، وروع، وتَقلُّل من هذه الفانية، وتعلق بالباقية.
* * *
* المطلب الثالث: عقيدته:
لم يرد في كتب التراجم والأعلام التي وقفت عليها ما يوضح أو يشير إلى عقيدة ابن الفتوحي -رحمه اللَّه-.
لكن يمكن معرفة جوانب من عقيدته من خلال بعض العقائد التي ذكرها في كتابه: "شرح الكوكب المنير".
1 - قوله في الإيمان: "وعن أحمد -رضي اللَّه عنه- في المعرفة الحاصلة في القلب -هل تقبل التزايد والنقص؟ - روايتان، والصحيح من مذهبنا ومذهب جمهور أهل السنة إمكان الزيادة في جميع ذلك" (¬1).
فأثبت أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب أهل السنة.
وأثبت أن الإيمان: "عقد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان" (¬2).
وقال أيضًا -رحمه اللَّه-: "ويجوز الاستثناء فيه؟ أيْ: في الإيمان، بأن تقول: أنا مؤمن -إن شاء اللَّه-، نص على ذلك الإمام أحمد، والإمام الشافعي، ومنع ذلك الإمام أبو حنيفة وأصحابه" (¬3).
2 - وأثبت أن مرتكب الكبيرة إن تاب منها غُفرت، وإلا فهو تحت المشيئة، وأنه لا يخلد في النار، ثم قال: "وخالف المعتزلة، فقالوا: بخلود أهل الكبائر في النار، ولو عملوا حسنات كثيرة، وهذا يصادم القرآن والأحاديث الصحيحة" (¬4).
وقال أيضًا: "أجمعنا على أن القرآن كلام اللَّه، كما أخبر به، نحو قوله -تعالى-: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] " (¬5)
وقال -رحمه اللَّه- بعد أن ذكر خلاف السلف والخلف في إثبات الحرف والصوت في كلام اللَّه -عز وجل-، والرد على من قال بعدم الإثبات: "ورأينا هؤلاء الأئمة -أئمة الإسلام الذين اعتمد أهل الإسلام على أقوالهم، وعملوا بها، ودونوها، ودانوا اللَّه بها- صرحوا بأن اللَّه يتكلم بحرف وصوت لا يشبهان صوت مخلوق ولا حرفه بوجهٍ البتة، معتمدين على ما صح عندهم عن صاحب الشريعة المعصوم في أقواله، وأفعاله، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، مع اعتقادهم -الجازمين به الذي لا يعتريه شك، ولا وهم، ولا خيال- نفي التشبيه، والتمثيل، والتعطيل، والتكييف، وأنهم قائلون في صفة الكلام، كما يقولون في سائر الصفات -للَّه تعالى- من النزول، والاستواء، والمجيء، والسمع، والبصر، واليد، والقدم، والوجه، والعين، وغيرها، كما قاله سلف الأمة مع إثباتهم لها {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] " (¬1).
4 - وأثبت الصفات الفعلية: كالنزول، والاستواء، والمجيء، وغيرها (¬2)، والصفات الخبرية: كاليد، والقدم، والوجه، والعين، والذاتية: كالسمع، والبصر، وغيرها (¬3).
وقال أيضًا -رحمه اللَّه-: "وهي؛ أيْ: مشيئة اللَّه -سبحانه وتعالى-، وإرادته ليستا بمعنى محبته ورضاه، وسخطه وبغضه (¬4)، فيحب ويرضى ما أمر به فقط، وخلق كل شيء بمشيئته -تعالى-، فيكون ما يشاء لمشيئته، وإن كان قد لا يحبه، وهذا مذهب السلف من أئمة الفقهاء من السلف والمحدثين" (¬5).
ثم بين أنواع الإرادة فقال: "ثم اعلم أن إرادة اللَّه سبحانه وتعالى في كتابه نوعان: نوع بمعنى المشيئة لما خلق نحو قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
ونوع بمعنى محبته ورضاه لما أمر به، وإن لم يخلقه، نحو قوله -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] " (¬1).
فتبين من النصوص السابقة التي نقلناها عن الفتوحي -رحمه اللَّه- أنه اعتقد فيها اعتقاد السلف، المبني على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ويدل ذلك كثرة نقله لكلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، عند تعرضه لمسائل العقيدة.
ولكن يُؤخذ عليه أنه بعد أن أثبت: أن القرآن كلام اللَّه -تعالى- حرفُه ومعناه وأنه غير مخلوق، أنه قال: "وإنما أطلنا لأن غالب الناس في زماننا يزعمون أن القائل بأن اللَّه يتكلم بصوت وحرف قديمين غير متعاقبين، من فوق السماء بقدرته ومشيئته إذا شاء، وكيف شاء -كما قرر-، يكون كافرًا، فهذا أحمد والبخاري وغيرهم -ممن ذكرنا- صرحوا بذلك، وقد سمَّوا مخالِفه مبتدِعًا" (¬2).
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-: "أن اللَّه متكلم بحرف وصوت، وأن صفة الكلام قديمة النوع حادثة الآحاد، وبين بطلان من وصف الصوت والحرف بالقدم" (¬3).