مقدمة كتاب التعليقة للقاضي حسين

القاضي أبو محمد الحسين بن محمد بن أحمد المروروذي
قال- رضي الله عنه وعن والديه -: ليس شيء أفضل عند الله تعالى من طلب العلم، والله تعالى إنما فضل آدم صلوات الله عليه لأجل العلم.
قال الله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها). الآية
قيل: أراد به اسم جميع الأشياء حتى الفأس والقدر، وغيرهما.
وقال الله تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم).
فجعل العلماء في الدرجة الثالثة في الشهادة على وحدانيته
وقد روي في هذا الباب أخبار كثيرة:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من أحب العلم والعلماء لم تكتب عليه خطيئة أيام حياته».
وروي أنه قال عليه السلام: «من أكرم عالما فكأنما أكرم سبعين نبيا، ومن أكرم متعلما فكأنما أكرم سبعين شهيدًا».
وروي أنه قال عليه السلام: «من صلى خلف عالم فكأنما صلى خلف نبي، ومن صلى خلف نبي فقد غفر له من ذنوبه ما تقدم».
وروي أنه قال عليه السلام: «من تعلم بابًا من العلم ليعمل لنفسه، أو ليعلم غيره كان أفضل من ألف ركعة».
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلاطين، فإذا خالطوهم فاجتنبوهم، ومن تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يأتي باب الملوك ويستجلب دنانيرهم، ودراهمهم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان، ويأتي ذلك العلم وشقه مائل ولعابه سائل، يقذره الخلائق».
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم، سأل جبريل -عليه السلام-: أي الجهاد أفضل؟ قال: طلب العلم، قال: ثم بعد؟ قال: النظر إلى وجه العالم، قال: ثم بعد؟ قال زيارة العلماء)
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين.
ما من طالب علم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله تعالى له بكل قدم عبادة سنة، وبني له بيتا في الجنة، ويمشى على الأرض، والأرض تستغفر له، ويصبح ويمسى مغفورًا له، وشهدت الملائكة بأن هؤلاء عتقاء الله من النار.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: النوم على العلم أفضل من الصلاة على الجهل.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي الدرداء: أغد عالمًا أو متعلمًا، ولا تكن الثالث فتهلك.
وروى أنه قال عليه السلام: اغد عالمًا أو متعلمًا أو مستمعًا أو محبًا، ولا تكن الخامس فتهلك.
وروى أنه قال عليه السلام: الناس اثنان: عالم، ومتعلم، وسائر الناس همج لا خير فيهم.
والهمج: دويبة تطير على رأس الحش.
وروى أنه عليه السلام، قال: اطلبوا العلم ولو بالصين.
وروي عن كثير بن قيس أنه قال: كنت في مجلس أبي الدرداء، إذ دخل من ناحية دمشق، فقال له: من أين جئت؟ فقال: جئت من ناحية دمشق، فقال: لماذا جئت؟ فقال: جئت لتروي لي خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو الدرداء: أما جئت إلا لهذاا؟ فقال: والله ما جئتك لحاجة في دينار ولا درهم، وإنما جئتك لتروي لي خبرًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقا في طلب العلم سلك به طريق من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العلماء يستغفر لهم من في السموات، ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب،
وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ شيئا منه، فقد أخذ بحظ وافر.
قوله: تضع أجنحتها، قيل: تواضعًا وتقربًا إليهم.
كقوله تعالى (واخفض جناحك للمؤمنين).
وقيل: إنها تبسط أجنحتها حتى يمشوا عليها.
وروى أن عبد الله بن المبارك قيل له: لو أوحي الله تعالى إليك، أنه لم يبق من عمرك إلا هذه العشر، ما كنت صانعًا فيه؟ قال: كنت أطلب العلم.
وحكي عن سفيان الثوري أنه قال: ليس شيئا أفضل عند الله تعالى من طلب العلم إذا صحت النية.
فقيل: وما صحة النية؟ فقال: أن يراد به وجه الله تعالى، والدار الآخرة.
وروى عنه أيضا أنه قال: تعلمنا العلم لغير الله، فأبي العلم أن لا يكون إلا لله.
وسفيان رجل كثير العلم حتى أنه قيل: إنه جلس بين يديه أربعة آلاف محبرة يكتبون الحديث منه.
وقال الشافعي رحمه الله، وأنار برهانه، وجعل الجنة مثواه ومضجعه، طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
وقال أيضا: طالب العلم عبد، والعلم حر، فمن خدمه ملكه، ومن تجبر عليه هجره، والعلم أشد تجبرًا من أن يخضع لمن لا يخضع له.