الكتاب : إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك

في تصنيف : النحو والصرف | عدد الصفحات : 1063

بحث في كتاب : إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك

فـ "خائفاً" حال من "ابني" و "منجديه" حال من " أخويه" والعامل فيهما "لقي"، فعند ظهور المعنى ترد كل حال إلى ما تليق به، وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأول الاسمين، ففي قولك: "لقيت زيداً مصعداً منحدراً" يكون "مصعداً" حال من "زيد" و "منحدراً" حال من التاء".أ. هـ.
-وقال ابن القيم في شرح البيت:
قد تقرر أن الحال من صاحبها. بمنزلة الخبر من المبتدأ، وبمنزلة الصفة من الموصوف، فلذلك تجيء متعددة مع كونها لواحد، إما بعطف نحو: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [أل عمران:39]. وإما دونه نحو:
عُهدتَ مغيثاً من أجرته ... ... ... ... ...
ثم هذا التعدد يكون جائزاً -كما مثل- ويكون واجباً، وذلك في ثلاث مسائل:
الأولى: أن يدل مجموعها على معنى واحد، نحو: "أكلت الرمان حلواً حامضاً".
الثانية: أن تقع بعد "إما" نحو: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الانسان:3].
الثالثة: أن تقع بعد "لا" نحو: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه:74].
أما تعددها مع كون صاحبها متعدداً فلا خلاف في جوازه، وهو منقسم إلى ثلاثة أقسام:
الصفحة : 44


الأول: ما تعددا فيه لفظاً ومعنى، كقوله:
وإنا سوف تدركنا المنايا مُقدرة لنا ومقدرينا
الثاني: ما تعددت فيه لفظاً وصاحبها معنى، نحو: "لقيت أخويك راكباً وماشياً".
الثالث: عكسه، نحو: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين}.أ. هـ.
أولاً: أهم وجوه الاتفاق بين الشروح:
1) اتفقت الشروح الثلاثة في أنها شرحت بيتاً واحداً من نظم الألفية.
2) اتفقت الشروح في الطريقة التي شرح بها البيت، وهي أنها ذكرت البيت بتمامه ثم شرحته، ولم تجزئه أجزاء وتمزجه بالشرح كما هي طريقة بعض الشراح.
3) اتفقت الشروح في الاعتماد على كلام النحاة السابقين في تقرير المسائل النحوية وتوضيحها.
4) اتفقت الشروح في عدم التعصب لأحد المذاهب النحوية، ,غن كانت النزعة البصرية تغلب عليها، مما قد يفسر بمتانة المذهب البصري ولاسيما في القضايا النحوية.
5) اتفقت الشروح في الأسلوب الواضح السهل البعيد عن التعقيد.
ثانياً: أهم وجوه الاختلاف بين الشروح الثلاثة:
1) خالف ابن القيم في شرحه هذا البيت الشارحين الآخرين، فبينما نجد
الصفحة : 45


ابن الناظم، وابن عقيل، يجملان كيفية التعدد ويذكران من صورها صورتين فقط. وهما:
* أن تعدد الحال وصاحبها مفرد.
* أن تتعدد الحال ويتعدد صاحبها.
نجد ابن القيم يفصل المسألة تفصيلاً دقيقاً مستوفياً لجميع صور التعدد فيذكر أن الحال إذا تعددت صاحبها مفرد، إما أن تتعدد بعطف، وإما بدونه، ثم يستشهد للأول بأقوى الشواهد على الإطلاق، وهو القرآن، فقد اشتملت الآية المذكورة على ثلاثة أحوال. وهي: "مصدقاً ... وسيداً ... وحصوراً". وهذه الأحوال متعاطفة، ثم يستشهد للثاني بالشعر العربي، فقد اشتمل البيت المذكور على حالين. وهما: "مغيثا مغنيا" وهاتان الحالان تعددتا من دون عطف.
ثم يزيد الأمر تفصيلاً فيذكر أن التعدد مع كون صاحب الحال مفرداً تارة يكون جائزاً، وتارة يكون واجباً، ثم بين صور وجوبه، وهي ثلاث، واستشهد لاثنين منها بالقرآن، ومثل للثالثة.
ثم انتقل إلى الوجه الثاني للتعدد وهو أن تتعدد الحال ويتعدد صاحبها، وبين أنه لا خلاف في جواز ذلك، ثم أخذ في بيان الصور المحتملة في ذلك.
وهي ثلاث -أيضاً-، مستشهداً لإحداها بالقرآن، وللثانية بالشعر، وممثلاً للأخيرة.
قلت: هذا التفصيل الذي جمع أطراف المسألة وصورها، والذي استدعاه المقام لم نره في الشرحين الآخرين.
2 - استشهد ابن النظام في شرح البيت بآية واحدة وبيتين من الشعر، واستشهد ابن عقيل في شرح البيت ببيت واحد فقط،
الصفحة : 46


واستشهد ابن القيم في شرح البيت بأربع آيات وبيتين، فإيراد ابن القيم لهذا العدد الكثير من الشواهد في شرح بيت واحد، دليل على غزارة مادته وقوة استحضاره، مما يعد من مميزات شرحه.
3) ذكر ابن الناظم مخالفة ابن عصفور في جواز تعدد الحال إذا كان صاحبها مفرداً ولم يتطرق إلى ذلك ابن القيم ولا ابن عقيل.
4) كما أن ابن عقيل نص على كيفية رد كل حال إلى صاحبها، عند تعدد كل منهما وعدم ظهور المعنى بأن يجعل أول الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأول الاسمي، ولم يتطرق لذلك ابن الناظم ولا ابن القيم.
5) وقد تميز شرح ابن القيم عن الشرحين الآخرين بميزة عامة تشمل باب الحال الذي منه بيت الموازنة وغيره، وذلك أنه التزم بافتتاح كل باب بتمهيد ولم يحد عم هذا المنهج إلا قليلاً، كما تقدم في منهجه.
ب) قال ابن مالك في باب التوكيد:
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا
قال ابن الناظم في شرح هذا البيت:
"اعلم أن التوكيد نوعان: لفظي، ومعنوي".
فأما اللفظي فسيأتي ذكره.
وأما المعنوي فهو: التابع، الرافع احتمال تقدير إضافة إلى المتبوع، أو إرادة الخصوص بما ظاهره العموم، ويجيء في العُرض الأول بلفظ "النفس" و "العين" مضافين إلى ضمير المؤكد مطابقاً له في الإفراد، والتذكير وفروعهما، تقول: "جاء زيد نفسه" فترفع بذكر النفس احتمال كون الجائي رسول زيد، أو خيره، أو نحو ذلك، ويصير به الكلام نصاً على ما هو الظاهر منه، وكذا إذا
الصفحة : 47


قلت: "لقيت زيدا عينه"أ. هـ.
وقال ابن عقيل في شرح البيت:
"التوكيد قسمان: أحدهما: التوكيد اللفظي، وسيأتي.
والثاني التوكيد المعنوي، وهو على ضربين: أحدهما: ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد، وهو المراد بهذين البيتين، وله لفظان: النفس، والعين، وذلك نحو: "جاء زيد نفسه" ف"نفسه" توكيد ل "زيد" وهو يرفع توهم أن يكون التقدير "جاء خبر زيد، أو رسوله"، وكذلك: "جاء زيد عينه".
ولابد من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد، نحو: "جاء زيد نفسه، أو عينه، وهند نفسها، أو عينها" أ. هـ.
وقال ابن القيم ممهداً للموضوع:
"التوكيد: وهو تقوية المعنى في النفس، وقصد رفع الشك عن الحديث، أو المحدث عنه.
فتقوية المعني في النفس يشمل: التوكيد بالقسم، و "إن" و "اللام" وغيرها، وقصد رفع الشك عن الحديث يشمل: توكيد الفعل بالمصدر، وتأكيد عامل الحال بها.
وقصد رفع الشك عن المحدث عنه: هو المقصود بالتبويب هنا، وهو التابع الرافع توهم النسبة إلى غير المتبوع، أو إلى بعضه.
فالتابع جنس يشمل التوابع، وما بعده فصل مخرج لسائرها.
وتقسيم رفع التوهم يشمل: "جاء زيد نفسه" و "جاء القوم كلهم".
ثم ذكر ابن القيم البيت السابق. وقال في شرحه:
"بدأ بالكلام عن التأكيد المعنوي، وقدم ما سيق لرفع توهم المجاز عن
الصفحة : 48