الكتاب : إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك
في تصنيف : النحو والصرف | عدد الصفحات : 1063
الفهرس
- خاتمة | صفحة 56
- خطبة الشارح | صفحة 64
- الكلام وما يتألف منه | صفحة 70
- المعرب والمبني | صفحة 79
- النكرة والمعرفة | صفحة 104
المبحث السادس: بعض ما انفرد به
من خلال متابعتي لشرح ابن القيم لألفية ابن مالك وقفت على بعض الآراء، وبعد عرضها على ما قاله أكثر النحويين لم أجد للشارح سلفاً قال بها مما دعاني إلى عزوها إليه بناء على غلبة الظن.
فمن ذلك جعله حذف مدخول "لم" من القليل حيث قال: "ويقل -أي حذف المجزوم- بعد: "لم"؛ والنحويون لا يجيزون حذف المجزوم إلا للضرورة.
-ومن ذلك-أيضاً- ذهابه إلى أن علة عدم جواز الإخبار عن "أحد" هي عدم قبوله التعريف، قال في ذلك: " وكذا لا تخبر عن "أحد" من قولك "لم أر أحداً" لأنه لا يقبل التعريف ... ، هذا هو المانع من الإخبار عنه لا عدم جواز وروده في الإثبات".
المبحث السابع: منهجه في شرحه
جرى إبراهيم بن القيم في شرحه لألفية ابن مالك على طريقة كثير من شراح المتون، فهو يورد البيت أو البيتين أو الثلاثة، وقد يزيد على ذلك أحياناً، ثم يأخذ في شرحها وتحليلها بأسلوب سهل ميسر، وعبارات مختارة، مختصرة، وشرحه متناسب متقارب لا يخرج عن ذلك إلا قليلاً حين يستدعي المقام الزيادة في التوضيح، حتى إنه ليخيل إلى قارئه أنه كتب في ساعة من نهار، ومما
الصفحة : 32
تميز به، أن كل باب فيه مفتتح بتمهيد يسير -وقلما فاته ذلك- يذكر فيه الحد الاصطلاحي لذلك الباب، ومحترزاته، أو شروطه، أو اشتقاقه، أو سبب إعمال أو إهماله، أو تسميته بذلك الاسم، ونحو ذلك، مما تدعو الحاجة إلى معرفته، فإذا شرع في الشرح تحدث بحسب ما يمليه عليه اجتهاده، ممثلاً للمسائل بأمثلة الناظم نفسها، وكثيراً ما يزيد عليها رغبة في التوضيح، وأما ما يتعلق بآراء الناظم، فإنه يوردها، وقد يستعين في توضيحها بما صرح به صاحبها في كتبه الأخرى، فإن ارتضاها أقرها وأمرها، وإلا اعترض عليها، فردها أو أوهنها، كما تقدم في اعتراضاته.
وكذلك صنع بكثير من الآراء النحوية الأخرى، فما ارتضاه منها بنى عليه قوله، وما عداه نبه على ضعفه، أو حكم برده، ذاكراً أعيان المخالفين أحياناً، وقد يكتفي بالحكم على القول من غير تعرض لصاحبه، كما تقدم في اعتراضاته -أيضاً-، وكثيراً ما يعتمد على رأي معين ويغفل ما عداه، مما قد يظن معه أن المسألة محل اتفاق، كقوله في باب المعرب والمبني: "فالأصل في السم الإعراب، وبناؤه عارض، والفعل عكسه".أ. هـ. فهذا قول البصريين، وأما الكوفيون فيذهبون إلى الإعراب أصل في الاسم والفعل، كما هو موضح في موضعه.
- وكقوله -في حكم الفصل بين فعل التعجب ومعموله-: "فلا يفصل بينهما بغير الظرف والجار والمجرور".أ. هـ. وقد ذهب الأخفش والمبرد وأكثر البصريين إلى منع الفصل بينهما مطلقاً، كما هو موضح في موضعه.
الصفحة : 33
- وكقوله -عند حديثه عن اللازم الإضافة إلى الجمل-" "وهو ما يضاف إلى الجمل الفعلية خاصة ك "إذا" غير الفجائية".
وهذا قول جمهور البصريين، وأما الأخفش والكوفيون فذهبوا إلى جواز إضافة "إذا" الظرفية إلى الجمل الاسمية تمسكاً بظواهر الشواهد، كما هو موضح في موضعه.
وقد يكون في مسألةٍ ما عدة أقوال فيشير إلى بعضٍ ويغفل بعضا. كقوله -وهو يتحدث عن "مذ" و "منذ" -: "فيكونان اسمين في موضعين: أحدهما: أن يقع بعدهما اسم مرفوع نحو: ... وهل هما مبتدآن وما بعدهما خبرهما أو بالعكس؟ على قولين ... ".
فالقولان اللذان أشار إليهما للبصريين، وأما جمهور الكوفيين فذهبوا إلى أن الاسم بعدهما مرفوع بفعل محذوف، كما هو موضح في موضعه ولم يتطرق لذلك الشارح.
- وكقوله- في حديثه عن الضمائر -: "وسبب بنائها شبه أكثرها بالحرف في الوضع".
فهذا قول أكثر النحويين، وقال بعضهم: "بل لشبه الحرف في معناه"، وقيل: "بل في "افتقاره"، وقيل: "بل في جموده، وقيل غير ذلك".
المبحث الثامن: شواهده
استشهد إبراهيم بن القيم على ما يرد من المسائل النحوية بالقرآن
الصفحة : 34
الكريم وقراءاته، وبالحديث الشريف، وبأشعار العرب وأقوالها وأمثالها.
أ- أما استشهاده بالقرآن الكريم فقد كان في المرتبة الأولى من حيث تقديمه على غيره، ومن حيث الكثرة التي بلغ فيها غايةً ما أظن أحداً بلغها قبله ولا بعده، فلقد زادت شواهده من الآيات وأبعاضها على ألف آية عادا المكرر.
ب- وأما القراءات فقد أولاها أهمية كبيرة أيضاً، حيث استشهد بالمتواتر منها والشاذ، حتى بلغت شواهده منها خمسين قراءة أو تزيد، معظمها متواترة، صرح في كثير منها بأسماء أصحابها.
ج- وأما الحديث فقد وسع به دائرة استشهاده مقتفياً في ذلك آثار ابن مالك وغيره من النحويين، ولم يبال بأقوال أبي حيان وتعقبه ابن مالك وطعنه في استشهاده به، كما سبقت الإشارة إليه عند الحديث عن منهج ابن مالك، وقد نيفت شواهد ابن القيم منه على أربعين حديثاً.
د- وأما الشعر فقد استكثر ابن القيم من الاستشهاد به حتى أربت شواهده منه على خمسمائة بيت
هـ- وكذلك ورد في ثنايا الشرح كثير من أقوال العرب وأمثالها.
موقفه من السماع:
وابن القيم يوقر السماع ويحتكم إليه، ومن أمثلة ذلك قوله: "ولا تؤكد النكرة عند عدم الفائدة اتفاقاً، ومع حصول الفائدة فالتحقيق جوازه، كما ذهب إليه الكوفيون لورود السماع به ... ".
- وقوله في موضع آخر: "ولا سماع مع الكوفيين في إجازة: "جاء الزيدان
الصفحة : 35
أجمعان"، والهندان جمعاوان".
- وقوله: "وقول الفقهاء ما أخصره -من اختصر- لا يعرف له سماع".
موقفه من القياس:
وابن القيم يقول بالقياس-أحياناً- إذا أعوزه الدليل، ومن أمثله ذلك قوله في المصدر: "وعمله منكراً مجرداً من "أل" والإضافة، نحو: ... أقيس لقربه من الفعل".
المبحث التاسع: وفاته
جاء في تاريخ وفاة إبراهيم بن قيم الجوزية -رحمه الله- روايتان:
الأولى: تفيد أنه توفي سنة 767 هـ، وعليها أكثر المراجع القديمة والحديثة.
والثانية: تفيد أنه توفي سنة 765 هـ، وهي رواية التنوكي، وحاجي خليفة وقد توفي -رحمه الله- يوم الجمعة مستهل صفر، ببستانه بالمزة، وصلي عليه بجامع المزة، ثم صلي عليه بجامع جراح، ودفن عند أبيه بباب الصغير، وحضر جنازته القضاة والأعيان، وكانت حافلة، وقد كان مثرياً، ترك مالاً جزيلاً يقارب مائة ألف درهم، وقد بلغ من العمر 48 سنة.
الصفحة : 36