الكتاب : بحر المذهب للروياني

في تصنيف : فقه شافعي | عدد الصفحات : 7183

بحث في كتاب : بحر المذهب للروياني

الفهرس


بحر المذهب
في فروع مذهب الإمام الشافعي
رضي الله عنه

تأليف
الشيخ الإمام أبي المحاسن
عبد الواحد بن إسماعيل الرُّوياني
المتوفي سنة 502 هـ

تحقيق طارق فتحي السيد

الجزء الأول
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الصفحة : 1


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
الحمد لله الذي هدانا لدينه، وأكرمنا بشريعة نبيه محمد المصطفي صلى الله عليه وسلم وجعلنا من المتمسكين، والمتبعين لها، والمتفقهين فيها، ونسأله أن ينفعنا بما علمنا منها، وأن يرزقنا العمل بها، والنصيحة للمسلمين فيها، وأن نصلي أولًا وأخرًا على عبده ورسوله وخيرته من بين خلقه، وعلى آله وأصحابه الراشدين.
وبعد: لما كثر تصانيفي في الخلاف والمذهب مطولًا ومختصرًا، وجدت فوائد جمة عن الأئمة -رضي الله عنهم - أحببت أن أجمع كلامي في آخر عمري في كتاب واحد يسهل عليَّ معرفة ما قيد فيها، وأعتمد على الأصح منها وسميته: "بحر المذهب" راجيًا من الله تعالى الذكر الجميل، والثواب الجزيل، إنه نعم المولى ونعم النصير.
الصفحة : 2



الصفحة : 3


[المقدمة]
فصل
الأصل من فضل العلم والعلماء قوله تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَقُل رَّبَ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط} [آل عمران: 18].
وروى أبو الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقًا يطلب به علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، [2 أ/ 1] وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافرِ ". ومعنى قوله: (لتضع أجنحتها) يعني: بالتواضع والخضوع تعظيمًا لحقه وتوقيرًا.
وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 15]، وقوله تعالى {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ اَلذَُلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 14]، وقيل: وضع الجناح هنا معناه الكف عن الطيران للنزول عنده. وقيل: معناه بسط الجناح وفرشه لطالب العلم لتحمله عليه فيبلغه حيث يقصده من البقاع في طلبه، ومعناه المعرفة وتيسير السعي له في طلب العلم. وأيضًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء". وأيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
وقال فضيل بن عياض رحمه الله في معناه: "كل عمل كان عليك فرضًا فطلب علمه عليه فرض، وما لم يكن العمل به عليك فرضًا فليس طلب علمه عليك بواجب".
وقال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا العلم ولو في الصين". وأيضًا روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
الصفحة : 4


قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة". وهذا في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه ويتعين عليه فرضه.
وأيضًا روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: تكتب كل شيء ورسوله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في حال [2 ب/ 1] الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلى فيه، فقال: "أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق".
فإن قيل: روى المطلب بن عبد الله بن حنطب، أن زيد بن ثابت دخل على معاوية فسأله عن حديث، فأخبره، فأمر إنسانًا فكتبه، فقال له زيد بن ثابت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن لا نكتب شيئًا من حديثه فمحاه. قيل: يحتمل أن يكون النهي متقدمًا وآخر الأمرين الإباحة. وقيل: إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط به فيشتبه على القارئ وهذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أمته بالتبليغ، وقال: "ليبلغ الشاهد الغائب".
وروى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله أمر أسمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه ليس بفقيه". فإذا لم يقيدوا ما يسمعونه بالكتابة يتعذر التبليغ فلا يؤمن من ذهاب العلم، لأن النسيان من طبع أكثر البشر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجل شكا إليه سوء الحفظ: "استعن بيمينك" وقوله: (نضر الله): معناه: الدعاء بالنضاره وهي النعمة والبهجة، ويقال: نضر الله بالتخفيف والتثقيل، وأجودهما [3 أ/ 1] التخفيف، وفي هذا الخبر بيان أن الفقه هو الاستنباط، والاستدراك لمعاني الكلام، وفي ضمنه وجوب
النفقة والحث على استنباط معاني الحديث.
فإذا تقرر هذا، فاعلم أن العلم كبير والعمر قصير، فالأولى لمن طلب العلم بعد التوحيد أن يشتغل بالأحسن منه والأولى، وهو التفقه في الدين، لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين". وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".
الصفحة : 5