الكتاب : تثقيف اللسان وتلقيح الجنان
في تصنيف : النحو والصرف | عدد الصفحات : 303
الفهرس
- باب التصحيف | صفحة 22
- باب التبديل | صفحة 47
- باب ما غيروه من الأسماء بالزيادة | صفحة 77
- باب ما غيروه من الأسماء بالنقص | صفحة 84
- باب ما جاء ساكنا فحركوه | صفحة 87
تثقيف اللسان وتلقيح الجنان
للإمام الفقيه أبي حفص عمر بن خلف
ابن مكي الصقلي النحوي اللغوي
المتوفى سنة 501 هـ
قدم له وقابل مخطوطاته وضبطه
مصطفى عبد القادر عطا
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
الصفحة : 1
الطبعة الأولى
1410 هـ - 1990 م
الصفحة : 2
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن
قال الشيخ الجليل الفاضل أبو حفص عمر بن مكي الصقلي النحوي:
الحمد لله الذي فضلنا باللسان العربي, والنبي الأمي, الذي آتاه جوامع الكلم, وفضله على جميع الأمم, وجعل معجزته قائمة, وآيته دائمة, بعد أن بعثه عند تناهي الفصاحة, وتكامل البلاغة {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} بالسيف القاهر، والحجة البالغة صلى الله عليه وسلم.
فلما تمت الحجة، ووضحت المحجة, هجم الفساد على اللسان، وخالطت الإساءة الإحسان، ودُخِلت لغة العرب، فلم تزل كل يوم تنهدم أركانها، وتموت فرساها، حتى استبيح حريمها، وهجن صميمها، وعفت آثارها، وطفئت أنوارها، وصار كثير من الناس يخطئون وهم يحسبون أنهم مصيبون، وكثير من العامة يصيبون وهم لا يشعرون، فربما سخر المخطئ من المصيب، وعنده أنه قد ظفر بأوفر نصيب، وتساوى الناس في الخطإ واللحن إلا قليلاً.
وإنما يتميز أولئك القليل -على مابهم من تقصير- عند المباحثة والمكاتبة وقراءة الكتب ومواضع التحقيق. فأما عند المخاطبة والمحاورة فلا يستطيعون مخالفة [ما تداوله] الجمهور واستعمله الجم الغفير.
الصفحة : 15
ثم لم يزل الغلط ينتشر في الناس ويستطير، حتى وقع بهم في تصحيف المشهور من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، واللحن في الواضح المتداول منه، وتعمد الوقف في مواضع لا يجوز الوقوف عليها، من كتاب الله عز وجل، وتغيير أشعار العرب وتصحيفها، وتصنيف كتب الفقه وغيرها ملحونة، تقرأ كذلك فلا يؤبه إلى لحنها، ولا يفطن إلى غلطها، بل إذا سمعوا الصواب أنكروه ونافروه، لطول ما ألفوا فقده, وركبوا ضده.
ولقد وقفت على كتاب بخط رجل من خاصة الناس وأفاضلهم فيه: أحب أن تشتهد لي في كذا وكذا بالشين يريد تجتهد. ورأيت بخط آخر أكبر منه وأعلى منزلة، بيت شعر على ظهر كتاب, وهو قول الشاعر:
(زوامل للأسفار لاعلم عندهم ... يجيدها إلا كعلم الأباعر)
كتبه للأصفار بالصاد، وأكثر الرواية فيه للأشعار وبعده:
(لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأحماله، أوراح، مافي الغرائر)
وكتب إليّ آخر من أهل العلم رقعة فيها: وقد عزمت على الإيتيان إليك بزيادة ياء. وشهدت يوماً رجلاً قِبَلَهُ تخصصٌ وفِقْه وحفظ للأخبار والأشعار، وقد سمع كلاماً فيه ذكر الشدق، فلما يسمعه بالدال -غير معجمة- أنكره، وتعجب من أن يجوز ذلك، وليس يجوز سواه، ثم سألني، ورغب إليّ أن
الصفحة : 16
أجمع له مما يصحف الناس في ألفاظهم، وما يغلط فيه أهل الفقه، وما قدرت على جمعه.
فأجبته إلى ما سأل، عالماً يأتي [؟ بأني] من العجز في الغاية، ومن التخلف والتقصير في النهاية ولو قَبِل التاليف في مثل هذا الزمان الفاسد، لا يسلم من حاسد ينعى عليه، أو جاهلٍ يتطاول بالزراية إليه.
لكني تحملت المضرة، وتسربلت هذه المعرة, كراهية معتبة هذا الصديق -أيده الله تعالى- واستبقاء مودته. فلما أتيت على مراده, وأردت الوقوف على نفاده، قلت كما قال الأول:
أنا الغريق فما خوفي من البلل
فأضفت إلى ذلك غيره من الأغاليط التي سمعتها من الناس، على اختلاف طبقاتهم، مما لا يوجد في كتب المتقدمين التنبيه على أكثره، لأن كل من ألف كتاباً في هذا المعنى، فإنما نبه على غلط أهل عصره وبلده، وأهل البلدان مختلفون في أغاليطهم، فربما يصيب هؤلاء فيما يغلط هؤلاء، وربما اتفقوا في الغلط. ألا ترى أن أهل المشرق يقولون: النَّسَيان، وآمِّين-عند الدعاء- بالتشديد، وأخذت للأمر أهْبَتَهُ، وليس في بلدنا أحد يقول إلا النِّسيان، وآمِين، بالتخفيف، وأخذت للأمر أُهْبَتَهُ.
الصفحة : 17