الكتاب : الجمع والفرق

في تصنيف : أصول الفقه والقواعد الفقهية | عدد الصفحات : 2184

بحث في كتاب : الجمع والفرق

الفهرس


فصل
في صفة الفرق
أعلم أن الفرق بين مسألتين ينقسم قسمين: أحدهما فرق مستند إلى ظاهر كتاب أو ظاهر سنة، فيستغنى في مثل هذا الموضع عن طلب الفرق من طريق المعنى.
فإن طلبناه فوجدناه كان زيادة بيان وإن فقدناه استغنيا عنه.
مثاله: أن المخبارة محظورة، والمساقاة جائزة، فإذا طالبك خصم بالفرق فرقت بينهما بالظاهر، كما فعل الشافعي- رضي الله عنه- فقلت: نهى النبي- صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة، ووردت السنة في أهل
الصفحة : 43


خيبر بالمساقاة، فلا ترد سنة بسنة، ولا يسوغ الجمع في مثل هذا الموضع.
ويمكن أن يقال: لما جازت الإجازة على الأراضي لم تدع الضرورة إلى المخابرة، ولما انسد سبيل الإجارة على الأشجار، والكرم دعت الضرورة إلى المساقاة، فصارت كالمضاربة.
والقسم الثاني في صفة الفرق: أن يفرق بين المسألتين بمعنى من المعاني، ثم هذا القسم ينقسم قسمين:
أحدهما: أن يكون ذلك الفرق فرق فصل وتباين.
والثاني: أن يكون ذلك الفرق فرق جمع لا فرق فصل.
الصفحة : 44


مثال فرق الفصل: ما قاله الشافعي- رضي الله عنه- إن الحج يدخل على العمرة قولاً واحداً قبل افتتاح طواف العمرة والعمرة لا تدخل على الحج في أحد القولين.
والفرق بينهما: أن المحرم بالحج قد التزم الطواف والسعي مع الوقوف وغيره، وليس في العمرة إلا الطواف والسعي فإدخال العمرة على الحج لا يفيد التزام عمل لم يلزمه
بإحرامه السابق، وإذا سبق/ (2 - 1) الإحرام بالعمرة ثم أدخل الحج عليها فقد التزم بإحرامه بالحج زيادة لم يلتزمها بإحرام العمرة، كالوقوف، والرمي، وغيرهما.
ومثال فرق الجمع: ما قال: الشافعي- رضي الله عنه- إن الإحرام بالحج جائز في الحرم قولاً واحداً، وهل يجوز الإحرام بالعمرة في الحرم؟ على قولين:
والفرق بينهما: أن من أحرم بالحج في الحرم فلابد له من الخروج إلى الحل للوقوف بعرفة. وعرفة هي من الحل، فيجتمع في نسكه الحل والحرم جمعاً. فكذلك المعتمر وجب أن يجتمع في عمرته الحل والحرم، ولو جوزنا له الإحرام في الحرم لم يجتمع في نسكه الحرم والحل، لأن ما بعد الإحرام بالعمرة طواف العمرة
الصفحة : 45


وسعيها وهما فعلان واقعان في الحرم. وهذا فرق جمع، لأنا أوجبنا اجتماع الحل والحرم في النسكين جميعاً.
ونفتتح الكتاب- إن شاء الله- بفروق في مسائل قليلة معدودة في أصول الفقه، ثم نعطف عليها الفروع على ترتيب مختصر أبي إبراهيم المزني- رحمه الله- كتاباً بعد كتاب، ونلتقط الأهم والأغمض على حسب ما يساعد عليه التوفيق. والله الموفق، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبالله التوفيق.
الصفحة : 46


باب في أصول الفقه
مسألة (1): الفرق بين النسخ، والتخصيص:
النسخ: إذا ورد على الحكم، حكمنا بأن الله تعالى أراد التحريم إلى أن ورد التحليل، فرفع حكم التحريم بالتحليل. وكان في سابق إرادته أنه يقدم الحكم الأول ويبقيه زماناً، ثم يرفعه بالحكم الثاني.
وأما التخصيص: إذا ورد على العموم فقد بان لنا أن الله تعالى أراد باللفظ العام في أصل مورده بعض مسمياته، ولم يرد جميعها. ولو قد أراد في الأصل جمعها، ثم خصص بعضها كان نسخاً.

مسألة (2): النفي في النكرة يعم، والإثبات في النكرة يخص ولا يعم:
والفرق بينهما: فرق جمع على الحقيقة. وبيان هذا: أن الرجل إذا قال رأيت رجلاً، فقد أخبر عن رؤيته رجلاً واحداً. فلو حملنا لفظه على أكثر من واحد كنا قد استفدنا من لفظه ما لم يوضع اللفظ له، وإذا قال: لم أر رجلاً، فقد نفي رؤيته لا في رجل بعينه فاقتضى نفي الرؤية على العموم. وإذا حكمت بأنه رأي رجلاً ولم ير غيره صار مكذباً في قوله: لم أر رجلاً.
الصفحة : 47