الكتاب : شرح الرسالة

في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 831

بحث في كتاب : شرح الرسالة

الفهرس


يأتون الجمعة بهيئة عملهم، فقيل: لو اغتسلتم؟.
قال القاضي أبو حمد عبد الوهاب: وقوله: (ليس بلازم) فلأنه غسل مقصود به النظافة والزينة، ولأن غسل الجمعة آكد منه بتأكيد الجمعة على العيدين، وقد ثبت أنه غير واجب؛ فغسل العيدين بذلك أولى.
مسألة
قال رحمه الله: ويستحب فيها الطيب والحسن من الثياب.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب رضي الله عنه: وهذا لما رواه مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن [السباق] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع: "يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله جل وعز عيدا للمسلمين؛ فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك".
فلما ندب إلى التطيب والزينة في الجمعة؛ لكونها عيدا كان كذلك كل عيد.
وروى عبادة بن نسى عن عبد الرحمن بن [غنم] عن معاذ بن جبل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غدا إلى المصلى أمرنا أن نلبس أجود ما نقدر
الصفحة : 41


عليه من الثياب.
ولأن العيدين يشاركان الجمعة في المعنى الذي استحب التطيب فيهما؛ وهو إزالة الروائح التي كانوا عليها في العمل والمهن.
وروى هشيم عن الحجاج بن أرطاة عن محمد بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر، ويعتم للعيدين والجمعة.
قال مالك: وسمعت أهل العلم يستحبون الطيب في كل عيد، وإنهم أدركوا من كان قبلهم على ذلك.
قال مالك: وكنت أرى محمد بن المنكدر يضمخ رأسه ولحيته بالغالية حتى يسود.

باب في صلاة الخسوف
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب رضي الله عنه: قال قوم من أهل اللغة: كسفت الشمس، وخسف القمر.
وقال آخرون: كسف وخسف بمعنى واحد، ومعناه: ذهب ضياؤهما. وهو في الأصل مأخوذ من التغطية.
والأصل في صلاة الكسوف ما روى أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الناس: إن ذلك لموته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن
الصفحة : 42


الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم ذلك فأفزعوا إلى الصلاة".
مسألة
قال رحمه الله: وصلاة الخسوف سنة واجبة فإذا خسفت الشمس خرج الإمام إلى المسجد، وافتتح الصلاة بغير أذان ولا إقامة، فقرأ قراءة طويلة سرا بنحو سورة البقرة، ثم يركع ركوعا طويلا نحو ذلك، ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده، ثم يقرأ دون قراءته أولا، ثم يركع نحو قراءته الثانية، ثم يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده، ثم يسجد سجدتين تامتين، ثم يقوم فيقرأ دون قراءته التي تلي ذلك، ثم يركع نحو قراءته، ثم يرفع كما ذكرنا ويقرأ دون قراءته هذه، ثم يركع نحو ذلك، ثم يرفع كما ذكرنا، ثم يسجد كما ذكرنا، ثم يتشهد ويسلم.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي- رحمه الله: قوله: إنها سنة واجبة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها، ودعا الناس إليها، وجمع فيها، وحث عليها؛ فقال: "إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة"، وأمر من ينادي: الصلاة جامعة.
وقوله: إنها بغير أذان ولا إقامة.
فلأنها صلاة غير مرفوضة، ولا أذان لها ولا إقامة؛ اعتبارا بسائر النوافل، ولأنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بأذان ولا إقامة.
الصفحة : 43


وأما وصف صلاة الكسوف فهو على ما ذكره في الكتاب، وهو قولنا وقول الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصلى ركعتين كسائر الصلوات والذي يدل على ما قلناه:
ما رواه مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا نحو من سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع وقام قياما طويلا؛ وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا؛ وهو دون الركوع الأول، ثم سجد وانصرف صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس.
وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الناس فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فسجد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك.
وروى مالك أيضا عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها (أن الشمس خسفت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ..)؛ فذكر مثل
الصفحة : 44


الحديث الأول.
وهذه أخبار ثابتة صحيحة، وهي نص قولنا.
واحتج من خالفنا بما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس ركعتين كهيئة صلاتنا.
وروى قبيصة بن يحيى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما هذه الآيات يخوف الله- عز وجل بها؛ فإذا رأيتموها فصلوا [كأحداث] صلاة صليتموها من المكتوبة"؛ وهذا يقتضي ألا يركع في كل ركعة إلا ركوع واحد.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة" المعهودة في الشرع، ولأنها صلاة شرعية؛ فوجب أن تختص كل ركعة منها بركوع واحد كسائر الصلوات، ولأنها لا تخلو أن تكون واجبة أو نفلا، وأي ذلك كانت فيجب أن لا يكون فيها إلا ركوع واحد؛ اعتبارا بسائر الواجبات والنوافل؛ ولأن اختلاف الصلوات في أعداد الركعات، فأما في أعداد الأركان فلا اعتبار بصلاة المسافر والحاصر.
فأما أخبارهم فالكلام عليها من وجهين:
أحدهما: الاستعمال.
والآخر: الترجيح.
الصفحة : 45