الكتاب : شرح الرسالة

في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 831

بحث في كتاب : شرح الرسالة

الفهرس


مسألة
قال رحمه الله: وليذكر الله تعالى في خروجه من بيته في الفطر والأضحى جهرا حتى يأتي المصلى؛ يفعله الإمام والناس وكذلك، فإذا دخل الإمام للصلاة إلى المصلى قطعوا ذلك.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب- رضي الله عنه: اعلم أن الذي قاله هو قولنا، وقول الشافعي- رحمه الله: وقال أبو حنيفة- رضي الله عنه: لا يكبر يوم الفطر في الممشى، ولا في الجلوس؛ لما روي أن ابن عباس سئل عن رجل كبر في يوم الفطر فقال: كبر الإمام؟ قيل: لا. قال: ذلك رجل أحمق.
والأصل في هذا قوله تعالى ... {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم}.
قال ابن عباس: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا الله- عز وجل- حتى يفرغوا من عيدهم؛ لأن الله- تعالى- يقول: {ولتكبروا الله على ما هداكم}.
وروى [يزيد] بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حين يرخج من بيته حتى يأتي
الصفحة : 31


المصلى، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير.
رواه بعض من وافقنا مسندا عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى صلاة فطر والأضحى رافعا صوته بالتكبير.
ورواه عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غدا إلى المصلى أمرنا أن نلبس أجود ما نقدر عليه من الثياب، وأن نخرج وعلينا السكينة والوقار، وأن نجهر بالتكبير.
وروى أن سحن بن علي- رضي الله عنه- خرج يوم العيد على بعله فكبر حتى أتى المصلى.
وروى يحيى بن سعيد بن القطان عن ابن عجلان عن نافع أن ابن عمر [كان يغدو] إلى العيدين فيكبر حتى يأتي المصلى.
الصفحة : 32


وروى ابن وهب عن عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد الليثي عن نافع عن انب عمر كان يجهر بالتكبير يوم الفطر إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام فيكبر بتكبيره.
وروى الأعمش عن تميم بن سلمة قال: خرج ابن الزبير يوم النحر فلم يرهم يكبرون، فقال: ما لهم لا يكبرون، أما والله لئن فعلوا ذلك لقد رأيتني في العسكر ما يرى طرفاه فيكبر الرجل الذي ليله حتى يرتج العسكر، وإن بينكم وبينهم كما بني الأرض السفلى إلى السماء العليا.
وأيضا فلأنه يوم عيد لا يتكرر في السنة؛ فأشبه يوم الأضحى.
وما رووه عن ابن عباس فيحتمل أن يكون أنكر تكبيرهم والإمام على المنبر؛ لأن الواجب ألا يكبروا في تلك الحال إلا بتكبير الإمام، بل نقل ذلك؛ فروى معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال: كنت مع ابن عباس في المصلى فسمع الناس يكبرون والإمام يخطب فقال ابن عباس: ما للناس كبروا؟ أكبر الإمام؟
قلت: لا. قال: مجانين الناس.
فبان بذلك ما قلناه.
مسألة
قال رحمه الله: ويكبرون بتكبير الإمام في خطبته، وينصتون فيما
الصفحة : 33


سوى ذلك.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب- رحمه الله: أما وجوب الإنصات له في الخطبة فلأن عليهم استماعها؛ لقوله تعالى ذكره: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}.
قيل: نزلت في القراءة في الصلاة، وفي الخطبة، واعتبارا بالخطبة في الجمعة.
فأما التكبير فيها؛ فلما رواه مالك عن سليمان بن يسار وعطاء بن يسار أنهما قالا: إذا صعد الإمام على المنبر بين العمودين فليكبر.
قال أبو سهيل: وذلك الذي أدركت عليه الناس.
وروى معن بن عيسى عن بلال بن أبي مسلم قال: سمعت عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه بدأ بالتكبير حين صعد المنبر يوم العيد.
فلهذا قال مالك: إنه يكبر في الخطبة.
قال مالك: وليس في التكبير عدد معلوم؛ وذلك لأن الروايتين عن التابعين مختلفة في عدده، ولم يرد فيه نص ولا حكاية فعل عن النبي صلى الله عليه وسلم فمهما فعل من ذلك جاز؛ فروى سفيان الثوري عن محمد بن عبد الرحمن القارئ عن عبد الله بن بعد الله بنعتبة قال: من السنة أن يكبر
الصفحة : 34


الإمام على المنبر في العيدين [تسعا] [ق/8 أ] قبل الخطبة وسبعا بعدها يكبر في الخطبة الثانية.
وروى حماد بن زيد عن الحسن بن أبي الحسناء [عن الحسن] البصري قال: يكبر يوم العيد على المنبر أربع عشرة تكبيرة.
وروى عن الشعبي- رحمه الله قال: التكبير على المنبر يوم العيد سبع وعشرين تكبيرة.
فأما تكبير الناس بتكبير الإمام على المنبر فقد اختلف مالك والمغيرة فيه؛ فقال مالك رحمه الله: يكبر الناس بتكبير الإمام وينصتون له إذا انقطع التكبير.
وقال المغيرة: ينصتون له في حال التكبير، ولا يكبرون بتكبيره. وحكاه عنه عبد الملك. قال: وكان يرى أن التكبير من الإمام في الخطبة خطبة يجب أن ينصت لها.
فوجه قول مالك ما رواه معن بن عيسى عن أبي ذب عن شعبة مولى ابن عباس أنه سمع الناس يكبرون والإمام يخطب فقال لي ابن عباس: ما للناس كبروا؟ أكبر الإمام؟ فقتل: لا. فقال: مجانين الناس.
فدل هذا على أن لهم أن يكبروا إذا كبر.
الصفحة : 35