الكتاب : شرح الرسالة

في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 831

بحث في كتاب : شرح الرسالة

الفهرس


وعمر رضوان الله عليهما كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة.
ورواه البراء بن عازب، وجندب بن عبد الله من الصحابة رضي الله عنهم.
وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي عبيد مولى بن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان رضي الله عنه، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.
قال: وأول من أحدث تقديم الخطبة على الصلاة بنو أمية ثم رجع الأمر في ولاية بين العباس إلى ما كان عليه.
وروى عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري أنه أقبل هو ومروان ابن الحكم يوم العيد إلى المصلى، فذهب مروان يريد المنبر قبل أن يصلي، فجذبه أبو سعيد، فقال له: الصلاة، فقال مروان: ترك ما تعلم يا أبا سعيد، فقال أبو سعيد: [كلا] والله لا تأتون بخير [مما] أعلم؛ فبدأ مروان بالخطبة.
الصفحة : 26


فصل
وقوله: (إذا صعد المنبر جلس، ثم قام فخطب) فهو إحدى الروايتين عن مالك، وعنه رواية أخرى:: أنه إذا صعد المنبر خطب ولم يجلس، بخلاف الجمعة رواه عبد الملك عنه.
فوجه هذه الرواية هو أن الجلوس في الجمعة إنما يكون لأجل الأذان، وهذا المعنى معدوم في العيد؛ فلم يكن للجلوس معنى.
ووجه الرواية الأولى هو أن الجلوس هاهنا لمعنيين:
أحدهما: الاستراحة من تعب الصعود.
والآخر: وهو أحسن من هذا- ليأخذ الناس مجالسهم؛ لأن العبادة جارة بأن الناس يزدحمون ويكثر اجتماعهم إلى جهة المنبر؛ لاستماع الخطبة، فلو خطب وقت صعوده لفاتهم سماع بعض الخطبة، وهو القدر الذي يأتي به قبل أخذهم مواضعهم، فإذا جلس حتى يأخذوا أمكنتهم وتستوي لهم مواضعهم سمعوا جميع الخطبة، ولم يفتهم شيء منها.
وهذه الرواية أولى من الأولى.
والجواب عن ما ذكرناه.
هو أنه لا فائدة للجلوس إلا انتظار الأذان؛ لأن له فوائد سواه، وهو ما ذكرناه.
وعلى أنا لم نعتبر قياسا على الجمعة حتى إذا افترق المعنى في الموضعين بطل الاعتبار، وإنما اعتبرنا ذلك بالمعنى الذي بيناه، والله أعلم.
الصفحة : 27


فصل
وقوله: (يجلس بين الخطبتين) فكذلك روى في صفة خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أنه كان يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم صلى الله عليه وسلم فيخطب.
رواه ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. ولم يفضلوا بين العيدين والجمعة والاستسقاء؛ فوجب حمله على الأمرين.
ولأن الخطب واحدة في الأعياد والجمع والاستسقاء.
مسألة
قال رحمه الله: ويستح أن يرجع في ريق غير الطريق التي أتى منها. والناس كذلك.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي- رحمه الله: هذا لأن
الصفحة : 28


رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل؛ فاستحب الاقتداء به؛ فروى عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيد من طريق ويرجع من آخر.
وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد في طريق ويرجع في غيره.
قال مالك- رحمه الله: وأدركنا الأئمة رضي الله عنهم يفعلون ذلك. وقد ذكر الناس في فوائد هذا الفعل [أشياء] بعضها يقرب من الإمكان، ويحتمل أن يقال: وكثير منها دعاوى فارغة واختراعات غثة، ونحن نذكر بعض ما قيل في ذلك؛ فأقوى ما ذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ليعم الله بركته صلى الله عليه وسلم من كل جهة، ويراه في الطريق الذي رجع فيه من لم يره صلى الله عليه وسلم في الطريق الذي غدا منه.
وقيل أيضا: مراده بذلك أن يتسع الطريق على الناس، وتقل الزحمة، ويخف الجمع؛ فلا تتأذى الناس بكثرة الزحام.
وقيل أيضا: إن مراده صلى الله عليه وسلم بذلك أن يعم الناس بالصدقة؛ لأنه قد يكون في الطريق الذي رجع فيه من الفقراء من لا يمكنه الحركة، فإذا رجع من ذلك تصدق عليهم، وإذا رجع من الطريق الذي أتى منها لم تلحقهم صدقته صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إنه كان يفعل ذلك لأنه كان يسأل صلى الله عليه وسلم عن أشياء من أحكام
الصفحة : 29


الشريعة، فكان يرجع في غير الطريق التي خرج منها، ليسأله من لم يكن سأله. وهذا والذي قبله سواء [ق/7 أ].
وقال بعضهم: فائدة ذلك أن يساوي بين الطرق؛ لأن الطريق الذي يمشي فيه له مزية وفضيلة على غيره، فأراد أن يرجع في غيره للتسوية بين الطريقين. وهذا ليس بشيء.
وقال هذا القائل: يحتمل أن يكون فعل ذلك لجواز أن يكون اليهود كمنت له كمينا. وهذا أيضا لا معنى هل؛ لأن الأخبار واردة بتكرر هذا الفعل منه.
واحتمال ما ذكروه بعيد أن يتفق أبدا. ولأن هذا الاحتمال ليس له أماره تقتضي تخصيصه بالعيد دون غيره من أوقات مشيه وجموعه؛ فيبطل التعلق به. وكان أقوى ما يذكر في ذلك ما قدمناه.
مسألة
قال رحمه الله: وإن كان في الأضحى خرج بأضحيته إلى أن يأتي المصلى فيذبحها، أو ينحر ما ينحر؛ ليعلم ذلك الناس فيذبحون بعده.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب- رحمه الله: وهذا لأنه لا يجوز لأحد عندنا أن يذبح قبل أن يذبح الإمام؛ فيجب أن يخرج بأضحيته إلى المصلى ليقف الناس على ذبحه، فإذا علموا ذلك ذبحوا بعده.
الصفحة : 30