الكتاب : شرح الرسالة

في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 831

بحث في كتاب : شرح الرسالة

الفهرس


وهذا ليس بصحيح، وذلك لأن الأصل عندنا أن تكبيرة الإحرام لا يستحب أن يليها غير القراءة في كل الصلوات فلم يسلم لهم هذا الأصل على أن المعنى في توجيه سائر الصلوات أنه توجيه يليه القراءة، وليس كذلك هاهنا.
فصل
ووافقنا أبو حنيفة وأصحابه في أن القراءة في الركعة الأولى بعد التكبير كله، وخالفونا في الركعة الثانية؛ فقالوا: يقرأ قبل التكبيرات الزوائد، فإذا فرغ من القراءة أتى بالتكبيرات ووصلها بتكبيرة الركوع، واستدلوا بما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى بين القراءتين، والموالاة بينهما لا تقع إلا على ما يقول إنه يؤخر [ق/4 أ] القراءة في الأولى عن التكبير، ويقدمها في الثانية.
قالوا: ولأنه ذكر في الركعة الثانية؛ فوجب أن يكون محله بعد القراءة.
أصله القنوت، ويعنون بالذكر: التكبيرات الزوائد.
قالوا: ولأن كل صلاة يؤتى في الركعة الأولى منها بالتكبير قبل القراءة
الصفحة : 16


وبالثانية يبدأ بالقراءة؛ فكذلك صلاة العيد.
والدلالة على صحة قولنا ما رواه يزيد بن أبي حبيب ويونس بن زيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر والأضحى في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسا قبل القراءة.
وقد روينا من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الثانية، والقراءة بعدهما" وهذا نص في موضع الخلاف.
وروى من طريق آخر رواه سليمان بن حبان عن أبي يعلي الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر في الأولى سبعا، ثم يقرأ، ثم يقوم فيكبر، ثم يقرأ، ثم يركع.
وفي حديث عمرو بن عوف أنه صلى الله عليه وسلم كبر في الثانية خمس تكبيرات قبل القراءة.
وفي حديث عبد الله بن عمر: أن التكبيرات معا قبل القراءة.
الصفحة : 17


ولأنها تكبيرات زوائد في صلاة عيد فوجب أن تكون قبل القراءة؛ اعتبارا بتكبيرة الأولى، ولأنها ركعة لا قنوت فيها؛ فوجب أن لا يلي القراءة فيها إلا تكبيرة الركوع؛ اعتبارا بسائر الصلوات، ولأن كل ذكر تكرر في الركعات [كان] [] الثاني محل الأول؛ اعتبارا بالسورة الزائدة، وقد ثبت أن محل القراءة في الركعة الأولى بعد التكبير؛ فوجب أن يكون كذلك في الركعة الثانية.
وإذا ثبت هذا فما رووه أنه صلى الله عليه وسلم والى بين القراءتين لا يصح لهم التعلق به؛ لأن الموالاة بين الشيئين هي المتابعة بينهما من غير فصل، وهذا غير موجود في مسألتنا؛ لأن بين القراءتين أفعال كثيرة وأذكار أو تكبيرات.
فإن قالوا: فلا فائدة في نقله إذا لم يصح ما نقوله.
قلنا: يجوز أن يكون أراد به [أنه] أتى بالقراءة بعد التكبير في الركعتين معا، على أن الذي رويناه أولى؛ لأنه نص لا يحتمل، وخبرهم محتمل، وعلى أنا روينا قولا وفعلا، وهم رووا الفعل دون القول؛ فكان ما رويناه أرجح من هذه الوجوه، وما ذكروه من الأقيسة مدفوع بالنص الذي هو قوله صلى الله عليه وسلم: "والقراءة بعد التكبير في كلتيهما"، وغير ذلك مما رويناه على أن المعنى في القنوت أ، هـ جنس لا يتقدم على القراءة- وهو الدعاء-؛ لأن موضع الدعاء بعد القراءة في الصلاة كلها؛ وليس كذلك
الصفحة : 18


التكبير في القيام؛ لأن موضعه قبل القراءة؛ اعتبارا بالركعة الأولى، وقياسهم الآخر غير صحيح؛ لأنه يؤتى بالتكبير في الثانية قبل القراءة، وهو التكبيرة التي يرفع بها من السجود؛ لأنها واقعة في الركعة الثانية، والله أعلم.
مسألة
قال القاضي عبد الوهاب: ويرفع يديه في تكبيرة الإحرام دون غيرها.
قال مالك- رحمه الله-: وليس فيما بعدها سنة لازمة من شاء رفع. ومن شاء لم يرفع.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يرفعهما في الإحرام وفي التكبيرات الزوائد، واختلفا في تكبيرة الركوع؛ فقال أبو حنيفة: لا يرفعهما في تكبيرة الركوع.
وقال الشافعي: يرفعهما فيها.
قالوا: لأن ذلك مروي عن عمر بن الخطاب- رضوان الله عليه، ولا مخالف له.
الصفحة : 19


وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترفع اليد إلا في سبعة مواطن"؛ فذكر العيدين، ولأنه تكبير حال القيام فأشبه تكبيرة الإحرام.
وهذا ليس بصحيح؛ لأنا لم نمنع من فعل ذلك لأن الخلاف بيننا في أنه سنة كتكبيرة الإحرام، وليس في حديث عمر- رضوان الله عليه ما يدل عليه، وما ذكروه من رواية ابن عباس غير معروف، ولو صح لم تكن فيه دلالة؛ لأنه استثناء من حصر؛ فأكثر ما يفيد أنه غير محظور، وخلافنا في وصف زائد على إباحته، والمعنى في تكبيرة الإحرام، هـ تستفتح بها الصلاة، وليس كذلك ما بعدها، والله أعلم.
فصل
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب- رحمه الله-: قال مالك- رحمه الله: وليس بين التكبير صمت إلا قد رما يكبر الناس.
وقال في موضع آخر: وليس بين التكبير موضع لدعاء ولا غيره من الأذكار.
وقال الشافعي- رحمه الله-: يقف بين كل تكبيرتين مقدار آية لا طويلة ولا قصيرة، ويحمد الله عز وجل فيها ويكبره ويهلله؛ لما روي عن
الصفحة : 20