الكتاب : شرح الرسالة

في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 831

بحث في كتاب : شرح الرسالة

ووجه قول أصبغ هو أن المسنون في الاستسقاء خطبتان لا زيادة عليهما، فإذا أتى بالدعاء في خلالهما لم يكن في ذلك زيادة، ولا يعود إلى إتمامهما، وإذا أتى به بعد الفراغ منها كان زيادة مستأنفة؛ فكان الأولى أن يؤتى بها في تضاعيفها، والله أعلم.
فصل
وأما قوله: يجهر فيها بالقراءة.
فلأنها صلاة نفل لها خطبة، وكل صلاة يخطب لها فالقراءة فيها جهرا.
وقوله: يقرأ فيها بسبح، ونحوها.
فلأنها صلاة يخطب لها بعد الصلاة؛ فوجب أن يكون هذا قدر ما يقرأ فيها اعتبارا بالعيدين.
وقوله: إنه يخطب ثم يجلس ثم يقوم ثم يخطب.
فكذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله، فوجب ابتاع فعل في ذلك، والله أعلم.

باب: ما فعل بالمحتضر، وفي غسل الميت
وكفنه وتحنيطه وحمله ودفنه
مسألة
قال رحمه الله: ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وإغماضه إذا قضى،
الصفحة : 65


ويلقن لا إله إلا الله عند الموت، [فإن] قدر على أن يكون طاهرا وما عليه طاهر فهو أحسن، ويستحب أن لا يقربه حائض ولا جنب.
قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله: أما استحبابه استقبال القبلة إذا احتضر حتى يموت كذلك؛ لأن استقبال القبلة أشرف المجالس وأفضلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشرف المجالس ما استقبل القبلة".
وهي من أدب الشرع أيضا في غير [ق/15 أ] موضع؛ من ذلك الصلاة، ومنه الذبح، ومنه دفن الميت، وغير ذلك؛ فاستحب توجيهه إلى القبلة في هذه الحال لقربها من الموت؛ ليكون له أشرف وأفضل أن يكون مستقبل القبلة.
وقد وردت الرواية بذلك عن الصحابة والتابعين، وروى أن عمر رضوان الله عليه قال لابنه: إذا حضرتني الوفاة فاحرفني إلى القبلة.
وقال الحسن- يعني البصري: كان يستحب أن يستقبل بالميت القبلة إذا كان في الموت.
الصفحة : 66


وقال عطاء: يستحب أن يوجه الميت عند نزوعه إلى القبلة.
وروى أيضا عن جماعة من التابعين رضي الله عنهم منهم: إبراهيم النخعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وجماعة.
قال مالك رحمه الله: فإن لم يقدر على ذلك جعلت رجلاه في القبلة واستقبلها بوجهه؛ لأن هذا حكم من استحب له استقبال القبلة إذا لم يقدر على ذلك؛ اعتبارا بحال دفنه، وبالمريض الذي لا يقدر على توجيهه على جنبه للصلاة.
وقد قال ابن المواز في المريض: إذا لم يقدر على توجيهه على جنبه الأيمن فعلى الأيسر، فإن لم يتمكن من ذلك فعلى ظهره. ويجب على هذا أن يكون كذلك حكم المحتضر. وقول مالك بخلافه على ما بيناه.
فصل
فأما إغماضه إذا قضى؛ فلورود السنة به، فروى أبو إسحاق الفزارى عن خالد [الحذاء] عن أبي قلابة عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه.
الصفحة : 67


وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حضرتم موتاكم فغمضوا أبصارهم؛ فإن البصر يتبع الروح".
ولأن في ذلك صيانة للميت، ونفيا للتشويه عنه.
وذلك واجب علينا فعله للميت بعد موته كوجوبه حال الحياة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "حرمة المؤمن الميت كحرمته [وهو] حي".
فصل
فأما تلقينه لا إله إلا الله وحده لا شريك له- عند الموت-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله عند الموت". رواه عمارة بن مخرمة عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله؛ فغنها تهدم ما قبلها وما بعدها". قالوا: فكيف هي يا رسول الله للأحياء؟ قال: "هي للأحياء أهدم".
وروى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من
الصفحة : 68


كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
ولأن في ذلك تجديد اعتقادها إن كان قد ذهل عنه، وقد يموت عقيب ذلك، ويستحب أن يكون آخر عمله.
فصل
فأما استحبابه أن يكون طاهرا هو وما عليه؛ فلأنها حال تقتضى تشريفه، وكذلك أيضا يستحب أن يكون طاهرا هو وما عليه.
وروى أبو سلمة عن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب خضر فلبسها، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وإن [الميت] يبعث في ثيابه التي يموت فيها".
فصل
فأما كراهة قربان الجنب والحائض له؛ فلأنه لما استحب أن يكون هو طاهر فكذلك من يتولى أمره.
وقد قال مالك- رحمه الله: إنه لا بأس أن يغمضه الحائض والجنب.
والفرق- على هذا القول- بين إغماضه وغسله هو أن الغسل يحتمل
الصفحة : 69