الكتاب : روضة القضاة وطريق النجاة

في تصنيف : السياسة الشرعية والقضاء | عدد الصفحات : 1515

بحث في كتاب : روضة القضاة وطريق النجاة

التشدد في اختيار القضاة وتطلب الكمال فيمن يولى القضاء لا نجد له نظيراً في أدب القضاء للماوردي- مثلاً- فإن الماوردي مال إلى الاعتدال في اشتراط الفضل في القاضي لما هو معروف عنه من واقعيته، ولذا فإن الماوردي صاغ القاعدة المعتدلة الواقعية الآتية فقال:
"إذا تكاملت شروط القضاء في جماعة، كان الأولى بالأمام أن يقلد أفضلهم، فإن عدل عن الأفضل إلى المقصر انعقدت ولايته، لأن الزيادة على كمال الشروط غير معتبرة" (أدب القضاء له 1/ 25).
وهكذا كان السمناني يتمنى أن لا يرقى إلى دست القضاء إلا إنسان كامل علماً وعدلاً واجتهاداً لينصف أمثاله من جشع الأرمة وغيرة الضرة.

نماذج من قواعد الفقه الإسلامي كما صاغها السمناني:
وثمة مزية أخرى يلمسها قارئ هذا الكتاب: ألا وهي عرض المسائل الفقيهة بشكل جذاب بارع الصياغة جاهز للتدوين القانوني بمجهود قليل يبذل في هذا المضمار وإليك بعض الأمثلة على ذلك:

العقد الموقوف:
ففي العقد الموقوف صاغ القاعدة الآتية:
كل عقد لو تقدم عليه الإذن نفذ، إذا تأخر عنه الإذن انعقد موقوفاً على من له حق العقد (الحنفية).
أخرى بعكسها
لا ينعقد شيء من العقود موقوفا على الإجازة.

تولية المرأة القضاء:
وذكر في آخر بحثه عن تولي المرأة القضاء قاعدة جامعة لحقوق المرأة ومركزها الفقهي فقال:
"وأجمعوا على أنها يجوز أن تكون وصياً، ووكيلاً، وقاسماً، وأميناً وأنها كالرجل في سائر العقود.
الصفحة : 26


وأنها أولى من الرجل بالحضانة والتربية وأنها يقبل قولها فيما لا يطلع عليه الرجال، ولا يقبل قول الرجال في ذلك.
إن هذه العبارة الجامعة لحقوق المرأة ومركزها القانوني في الفقه الإسلامي يمكن أن تصاغ قاعدة قانونية بتعديل يسير بأن يقال مثلاً:
قاعدة:
أ- للمرأة أن تكون وصياً ووكيلاً وقاسماً وأميناً.
ب- وهي كالرجل في سائر العقود، وأولى منه بالحضانة والتربية.
ج- ويقبل قولها فيما لا يطلع عليه الرجال دون أقول الرجال.

باب في الإمامة
وصاغ عند بحثه عن واجبات الخليفة تجاه الرعية وحقوقه على الرعية قواعد جامعة من قواعد الدستور الإسلامي، وفي الإمكان بعد تعديل يسير أن نصوغ عبارته بعد تجريدها مما لا صلة له بأسلوب التشريع من عبارات الشرح والإيضاح على النحو الآتي:
قاعدة- يتعين الإمام بالاختيار.
أخرى:
يتعين بالنص (الإمامية)
قاعدة- إذا عقد للإمام فالعبرة بالعقد الأول. وإذا وقع عقدان معا ينعقد للأفضل (وقيل بالبطلان وبالقرعة).
قاعدة- يقع اختيار الإمام بأن يجتمع جماعة من صلحاء الأمة وأهل الحل والعقد والعلم والأمانة فيعقدوا للأمام ولا يفتقر إلى جميع الأمة في ذلك.
قاعدة- الدعوة طريق للإمامة وهي أن يباين الإنسان الظلمة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وتجتمع فيه شروط الإمامة فيكون إماماً وإن لم يبايع على ذلك. (الزيدية).
أخرى. لا يكون.
قاعدة- لا يجوز أن يتعدد الإمام في العصر.
الصفحة : 28


قاعدة- يشترط في الإمام أن يكون ذا رأي وسياسة وشجاعة وأن يكون في ظاهره عدلاً، فإن كان فاسقاً لم يؤمر، ولم يعقد له ولاية ولم تجب طاعة.
قاعدة- ليس للإمام أن يجبي ما لا يستحقه، ولا أن يعطي ما يجب (المصالح العامة وشؤون الرعية) لنفسه ولا لغير مستحقه.
قاعدة- على الإمام التسوية في الأحكام والعطاء وقسمة الفيء ووضع كل حق في موضعه، ومنع المظالم.
قاعدة- للإمام على الرعية أن يسلموا إليه ما وجب من حق في المال له أخذه وله عليهم السمع والطاعة فيما يأمر وينهى عنه، ما لم يكن معصية لأحكام الشرع.
وأن يمكنوه من إقامة الحدود في أنفسهم وأتباعهم.
وهكذا يمكن أن نضيف إلى هذه القواعد الدستورية قواعد أخرى مستخرجة من هذا الكتاب بعد تعديل يسير وتجريد قليل.
فنقول مثلاً:
قاعدة- لا يصح عقد الإمامة خاصة، بل لا تقع إلا عامة عموماً لا تخصيص فيه بحال.
قاعدة- الإمام نائب عن المسلمين يستوفي ما وجب لهم من الحقوق ويوفيهم ما يجب لهم، ويستوفي منهم ما يجب استيفاؤه من الحقوق العامة وينفذ عليهم الأحكام.
قاعدة- إذا جار الإمام واعتدى وتمرد واحتوى على الأموال وجب على المسلمين خلعه ومنعه والاستبدال به.
قاعدة- يشترط في الإمام أن يكون قرشياً (مذهب الجمهور).
أخرى- لا يشترط (رأي الخوارج وبعض أصحاب الحديث) فيجوز أن تكون الإمامة في غير قريش وغير العرب.
قاعدة- الإمامة حق لكافة المسلمين ولهم أن يصرفوها إلى من شاءوا ممن يعلمون أنه يقوم بها.
الصفحة : 29


قاعدة، إذا أسر الإمام وتعذر على الناس الوصول إلى إذنه جاز لهم نصب غيره وسقط عنهم حكم ولايته.
قاعدة- لا يشترط في القاضي أن يكون عربياً.
قاعدة- يقضي القاضي على الأمير، ويقضي له، وإن استفاد النظر منه.
قاعدة- ليس للقاضي أن يتصرف إلا فيما يجوز للإمام أن يتصرف فيه.
قاعدة- لا ينقض قاضي أهل العدل من أحكام قضاة الخوارج. إلا ما ينقض من أحكام غيرهم، كل ذلك بشرط أن لا يكون قاضيهم ممن يستبيح دماء أهل العدل وأموالهم وأن يكون عدلاً مجتهداً.
قاعة- يشترط في الحاكم أن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً حراً، مسلماً عادلاً، غير متهم في الحكم.
قاعدة- يجوز أن تلي المرأة القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتها فيه، وحدها أو مع الرجال، ولا يجوز في الحدود والقصاص (أبو حنيفة).
أخرى- يجوز أن تتولى المرأة القضاء في جميع ذلك (الخوارج).
قاعدة- لا ينبغي أن يولى القضاء إلا الموثوق في عفافه وعقله وصلاحه وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه (عن مختصر الطحاوي).
قاعدة- لا يولى الحكم إلا رجل من أهل الاجتهاد (الروضة) ولا تنعقد ولاية العامي (الشافعي ومحمد بن الحسن عن الروضة).
قاعدة- لا يشور القاضي إذا نزل به المشكل إلا أميناً عالماً بالكتاب والسنة والآثار وأقاويل الناس (أي الفقهاء) والقياس وأنساب العرب (عن المزني).
قاعدة- يولى القاضي من جهة الإمام.
قاعدة- يشترط في الإمام أن يكون ذكراً (وشذت الخوارج فأجازت إمامة الأنثى).
الصفحة : 30


قاعدة- إذا عزل الإمام القاضي فأحكامه نافذة وقضاياه ماضية حتى يصله كتاب العزل وشهادة الرسول بذلك.
قاعدة- إذا ادعي على القاضي المعزول أنه ارتكب في قضائه السابق ظلماً أو تعدياً فالقول قول القاضي المعزول ولا يمين عليه.
قاعدة- إذا تظلم من القاضي المعزول متظلم، وسأل القاضي المولى إحضاره لم يحضره حتى يسأله عما بينهما.
قاعدة- إذا ادعى على القاضي المعزول أنه حكم بجور نظر في ذلك فإن كان مما يسوغ فيه الاجتهاد أمضاه، وإن كان لا يسوغ فيه الاجتهاد أبطله، كما يبطل حكم نفسه إذا رده الإجماع.
قاعدة- خطأ القاضي على نوعين:
ما هو حقوق الله كالحدود فهو في بيت المال.
وما هو حق العبادة فذلك واقع على من حكم له به، يغرم ذلك المقضي له، ولا شيء على القاضي فيهن والمال إذا لم يقدر على رده ففيه غرم المثل، والقيمة والدية. وإن كان قائماً بنفسه رده على صاحبه، ولا غرم على القاضي.

في الثورة على الظلم
قاعدة- يسأل الإمام الخوارج عما دعاهم إلى الخروج فإن ذكر شيء ظلموا فيه أنصفهم من الظلم، وإلا دعاهم إلى الرجوع إلى الجماعة والدخول في طاعة الإمام، فإن فعلت وإلا قوتلت.

في التحكيم
وفي التحكيم يمكن استخلاص القواعد الآتية:
قاعدة- يجوز أن يحكم الخصمان، رجلاً واحد، ويجوز أن يحكما رجلين فما زاد ولهما أن يخرجا الحكمين من الحكم.
قاعدة- لا ينفذ الحكم من الحكم على غير الخصم الذي حكمه.
الصفحة : 31