الكتاب : روضة القضاة وطريق النجاة
في تصنيف : السياسة الشرعية والقضاء | عدد الصفحات : 1515
الفهرس
- مراجع البحث | صفحة 33
- مقدمة المصنف | صفحة 39
- تعداد موضوعات الكتاب | صفحة 42
- باب صفات القاضي وشروطه | صفحة 42
- باب أعوان القضاء | صفحة 43
ثقافته:
فالسمناني إذن كان فقيهاً ومؤرخاً ولغوياً تثقف بثقافة عصره من فقه وكلام وأصول وتاريخ الخ، وصنف روضة القضاة وطريق النجاة في موضوع من أهم موضوعات الفقه الإسلامي، ومما يستدل به على ثقافته اللغوية مشاركته في حركة شرح النصوص الأدبية فإن في حوزة مكتبة الأوقاف العراقية مخطوطاً عنوانه:
حاشية على مقامات الحريرى. وقد جاء في دليل هذه المكتبة المسمى بالكشاف أن هذه الحاشية بقلم أبي القاسم علاء الدين محمد بن علي السمناني المتوفي سنة 493 هـ وهذه المخطوطة مرقمة بالرقم 299.
آثاره:
صنف السمناني في موضوعات متعددة في الفقه وأصوله والتاريخ واللغة وروضته من أهم ما صنفه في الفقه فلنعد إليها فإنها محور هذا التعريف:
لقد أشرنا من قبل إلى أن أحكام منصب القضاء تنير لنا أهم جوانب الفقه الإسلامي ونعني بذلك الجانب العام من هذا الفقه المعني بتصوير هذه السلطة من سلط الدولة سلطة القضاء، فأحكام القضاء إذن من أهم موضوعات "الفقه العام المقابل للقانون العام في القوانين الوضعية في عصرنا هذا وإن لم يعرف الفقه الإسلامي هذه التفرقة بين الفقه العام والفقه الخاص كما عرفت القوانين الوضعية تفرقة مثلها بين القانونين العام والخاص.
ولقد سلك الفقهاء في تدوين أحكام هذه السلطة والقواعد المنظمة لها مسلكين:
فمنهم من عالجها باعتبار موضوعات من جملة موضوعات الفقه فلم يفردها بمؤلف فرد مستقل، ومنهم من أفردها بمؤلف خاص كما فعل السمناني حين أفردها بكتابه الفرد الجامع لمباحث هذه السلطة وقواعدها على أن من الفريق الأول من أسهب في التأليف وأطنب حتى جاء بحثه في أدب القضاء أشبه بمصنف فرد في الموضوع كما فعل الماوردي في الحاوي.
الصفحة : 16
ومن مزايا كتاب الروضة أنه لم يقتصر على سرد وجهة نظر المذهب الحنفي وحده ولكنه عالج موضوعه علاجاً جامعاً موازناً فعرض لمختلف وجوه النظر في المذاهب الإسلامية المختلفة من حنفية وشافعية وزيدية وإمامية وخوارج وأكثر من الموازنة بالدرجة الأولى بين أقوال الحنفية والشافعية وكل ذلك على طريقة علم الخلاف أي على طريقة الفقه الموازن بمصطلح عصرنا هذا إن صحت هذه الاستعارة فاتسع بذلك أفق هذا الكتاب، وقد كان الدامغاني أستاذ السمناني من المتضلعين بعلم الخلاف فنقل عن بعض مصنفاته وأشار إلى ما جرى عليه العمل في تلك الفترة الطويلة التي تولى فيها شيخه المذكور منصب قاضي القضاة فجاء كتاب الروضة جامعاً بين ما دونه الفقه في موضوع القضاء من قواعد نظرية وبين ما أسفر عنه العمل والتطبيق من حقائق، وهذه أهم ميزة انفرد بها هذا الكتاب عن سائر ما ألف في موضوعه.
إن المعضلة التي يواجهها الباحث في العلوم الإنسانية هي معضلة استحالة اختبار النظم في مختبر وإجراء التجارب عليها تمحيصاً لها، ولكن السمناني أتيحت له هذه الفرصة النادرة في مجلس قضاء شيخه حيث سجل لنا في نهاية أكثر فصول كتابه صوراً ممتعة مما كان يقع في ذلك المجلس ووازن بينها وبين ما قرره الفقهاء ورسموه للقضاء من قواعد نظرية فكان ذلك المجلس مختبراً للنظام القضائي في عصره.
ومع أن هذا الكتاب متواضع العنوان إذ يقتصر على الإشارة إلى "القضاة" والقضاء فإن موضوع الكتاب في الحقيقة أوسع من ذلك:
1 - فقد عني السمناني بجميع جوانب الفقه الإسلامي العام بما عقده من موازنات بين الخلافة والقضاء، وبين سلطة القاضي والإمام. وما يشترط في كل منهما من الصفات، وكيف يعزل كل منهما الخ فجاء بذلك كتاباً جامعاً في الفقه الإسلامي العام غير قاصر على بحث سلطة القضاء وبذلك يمكن القول أن السمناني كان من فقهاء الفقه العام إلى جانب تضلعه بالفقه الخاص، وأنه بذل في تطوير مبادئ الفقه العام جهوداً، وقدم لنا نماذج من الصياغة القانونية في هذا المضمار،
الصفحة : 17
شأنه في ذلك شأن الماوردي وإن لم يلغ شأن الماوردي لإقلاله وإكثار الماوردي فيما صنف من كتب في حقل الفقه العام.
2 - وقد عقد السمناني في آخر كتابه فصولاً أرخ فيها للقضاة إلى زمانه فدل بذلك على مدى تضلعه في تاريخ الإسلام.
وإلى جانب ذلك فإن مؤلف روضة القضاة كان نسيج وحده كما يظهر من مقدمة كتابه، فإنه لم يقتصر على جمع أقوال من تقدمه من المؤلفين السابقين في هذا الموضوع ولكنه نظر فيما ألفوه نظرة الناقد الفاحص فتكشفت له عيوب تآليفهم من تقصير وتقديم ما لا يحتاج إليه من مقدمات إلى غير ذلك من المآخذ فحاول أن يحترز منها. والواقع أن طريقة هذا المؤلف في الجمع بين أسلوبي النقد والتجميع إن دلت على شيء فإنما تدل على سعة اطلاعه وتوقد ذكائه في تلك الحياة المضطربة التي قاسى آلامها وشدائدها ولم تنصفه في أعز الأشياء عليه وعلى كل إنسان كما سنرى.
(2) هذا عن الروضة وللسمناني في موضوع القضاء العملي كتاب أشار إليه إسماعيل باشا البغدادى في كتابه هدية العارفين وأسماه "العروة الوثقى في الشروط".
وحدثنا السمناني نفسه عن كتاب له في هذا الفن سماه "كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط" فهل هما كتاب واحد أم كتابان؟
هذا ما لا نستطيع الإجابة عليه جواباً جازماً فلنكتف بالنظر إلى ما ذكره السمناني نفسه عن كنزه حيث قال في روضة القضاة في باب كاتب القاضي:
وقد كنا صنفنا في الشروط كتاباً سميناه كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط على نمط يخالف في التراتيب سائر كتب من تقدم وهو مما لا يستغني عنه عالم ولا متعلم، وفيه من الفقه والتعليل لكل شرط، وذكرت خلاف الناس فيه".
الصفحة : 18
فالروضة والكنز كلاهما يعالجان نظام القضاء الروضة من جوانبه النظرية ويتناوله الكنز من جوانبه العملية والتطبيقية، فيعنى ببحث الشروط وفي هذا يقول السمناني في تحديد العلاقة بين كتابيه هذين:
"ففيه ما يعين على هذا الكتاب (الروضة)، كما أن في هذا الكتاب ما يعين على ذاك".
3 - وإلى جانب كتابي الروضة والكنز تشير كتب الطبقات كما ذكرنا إلى أن للسمناني تصانيف في الفقه ولا نعلم عن هذه التصانيف شيئاً حتى الآن.
4 - كما تشير هذه المراجع إلى أن للسمناني تصانيف في التواريخ.
5 - وللسمناني كما قلنا شرح على مقامات الحريري منه نسخة مخطوطة في مكتبة الأوقاف العراقية وقد اطلعت عليها فوجدت في آخرها العبارة الختامية الآتية "تم الكتاب بعون الملك الوهاب على يد مؤلفه العبد الفقير إلى الله الغني به علي بن محمد المدعو بعلاء السمناني، بلغه الله كل ما يهواه من المطالب والأماني ليلة السبت وقت العشاء السابع عشر من شعبان ... : ومن المؤسف له أن تاريخ سنة الكتابة قد طمس بحيث لا يقرأ.
6 - وله أيضا سراج المصلي وشروط الصلاة أشار إليه بروكلمان في الملحق 1 ص 638 وذكر أن نسخة خطية منه في مكتبة قليج برقم أ، 378.
الصفحة : 19
حياة السمناني المضطربة:
هذا المصنف المثقف المتعدد جوانب الفكر والثقافة النقادة الفاحص المتأمل لم يها في حياته بما يحقق له العزة والكرامة وإن بلغ في زمن نظام الملك مرتبة "صاحب الخبر" فقد نكب منذ اللحظة التي حملت فيها أمه في نسبه حيث شاءت الأقدار أن تحمل به أمه وأن تناصبها العداء زوجة حرة فتحمل زوجها على بيع تلك الجارية المنكودة قبل أن تظهر عليها علامات الحمل لمن يحملها إلى خارج العراق ويسدل الستار عليها وعلى من ستلده.
كانت حياة السمناني إذن مضطربة قاسى فيها الأمرين من الشدائد والآلام في مجتمع كان يضع أبناء الجواري في منزلة دنيا، ولا يفسح لهم مجال التقدم إلا بشق الأنفس، فقد ولد من جارية ولادة مغمورة ونشأ في رحبة مالك بن طوق على الفرات، بعيداً عن كنف أبيه محروماً من شفقته ومن أخوة أخيه لأبيه، ولكنه تمكن من شق طريق الحياة بصبر وأناة وكانت أمه حريصة على أن ترفعه إلى المنزلة التي أريد إقصاؤها عنها فدفعته إلى دور العلم وأوصته أن يعود أدراجه إلى موطن آبائه وأجداده إلى العراق ليدرس الفقه على الدامغاني قاضي القضاة، ويبلو خلو الحياة ومرها فتمكن من شق طريق الحياة بصبر وأناة ولم يعلن الثورة على المجتمع إعلان مستهتر بالقيم والتقاليد ولا إعلان ناقم على الأوضاع والنظم ولكنه أعلنها إعلان مؤمن بالحق والمثل العليا ووجد ضالته في القضاء فتمسك بكل ما يحقق مثله الأعلى فيه من شروط الكمال فبرهن بذلك على أصالة نفسه وكان- كما قيل- كثير الشبه بأبيه.
وحين تمكن من ثقافة عصر وبلغ فيها ما بلغ توفي أخوه من الزوجة الحرة، فأراد أن يثبت نسبه من أبيه، وأن يبرهن أن أمه الجارية كانت في الحقيقة أم ولد، وأنها حملت به من قاضي الموصل أبي جعفر السمناني، ولكنه أخفق في إثبات هذا النسب، ولم يلتفت إلى دعواه قاضي القضاة رغم شدة الشبه بينه وبين أبي جعفر السمناني، فقد طعن النسب بأنه: لا تصح منه الدعوى
الصفحة : 20