الكتاب : روضة القضاة وطريق النجاة
في تصنيف : السياسة الشرعية والقضاء | عدد الصفحات : 1515
الفهرس
- خصائص النظام القضائي في الإسلام | صفحة 11
- ترجمة السمناني | صفحة 14
- ما أثمرته روضة القضاة | صفحة 25
- نماذج من قواعد الفقه الإسلامي كما صاغها السمناني | صفحة 26
- العقد الموقوف | صفحة 26
والنهي عن المنكر، فلا عجب إن وجدنا دول الطوائف مرهفة الشعور بالحاجة الماسة إلى اصطناع الطبقة المثقفة ثقافة موسوعية جامعة، وقد كان من أعلام تلك الطبقة أسماء خلدها التاريخ كالغزالي والماوردي والسمناني ونظام الملك الذي أخذ بيد السمناني لما لمسه فيه من سعة الثقافة والدراية بالفقه والتاريخ وصنفت الروضة تعبيراً عن عميق الولاء لذلك الوزير.
أهداف المصنف وخطته:
لقد رمى مصنف الروضة بتأليفه أن يكون كتاباً جامعاً مبسطاً بحيث "يحتاج إليه العلماء والمتعلمون والخاصة والعامة، ولا يستغني عنه في أدب الفقه (القضاء) على جميع مذاهب الفقهاء".
والواقع أن هذا الغرض المزدوج الجامع بين إفادة المتعلمين من ناشئة الفقهاء والمتضلعين منهم من الأغراض التي حرص على اتباعها في مصنف آخر مكمل لهذا الكتاب وردت إليه الإشارة في الروضة في باب "كاتب القاضي" حيث جاء "وقد صنفنا في الشروط كتاباً سميناه كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط".
وإلى مثل هذا الغرض رمى إمام الهدى الفقيه أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي عند تصنيفه كتاب خزانة الفقه.
نحن إذن أمام مؤلف له هدف واضح، وهو فوق ذلك محيط بموضوعه وبما صنف فيه قبل ذلك من كتب إحاطة ناقد بصير، وقد صرح بنفسه بهذه الحقيقة فقال في مقدمته على الروضة.
صنف في ذلك كتب كثيرة كالذي صنفه الخصاف والطحاوي والاصطخري ومحمد بن الحسن (الشيبانى) وسائر شروح الضالعين فمنهم من أطال، ومنهم من قصر، ومنهم من قدم ما لا يحتاج إليه، ومنهم من أخر، ولم يرتب
الصفحة : 6
الأبواب، ولا عقد الفصول، ولا كشف قناع العلم، ولا أتى ما يحتاج إليه على نمط الحاجة.
فالسمناني -كما ترى- مؤلف ناقد مضطلع أحاط بما كتب السابقون عليه في موضوعه من أعلام وضالعين فلم يتردد في نقد ما في كتب هؤلاء وأولئك وما وقعوا فيه من هنات.
ونحن إذن أمام مصنف فقهي على جانب من الأهمية كبير اختط مصنفه لنفسه خطة وتمسك بمنهج يفي في رأيه بالحاجة فلا تطويل فيه ولا تقصير ولا عجز عن النفاذ إلى صميم الموضوع. وهؤلاء الذين ذكرهم السمناني كانوا من أعلام الفقه في المذهبين الحنفي والشافعي فالخصاف هو أحمد بن عمرو الشيباني المتوفى ببغداد سنة 261 هـ ومن مصنفاته كتاب أدب القاضي، وكتاب الشروط الكبير وكتاب الشروط الصغير وكتاب المحاضر والسجلات وهي جميعاً من المراجع النظرية العلمية في دراسة نظام القضاء في الإسلام.
أما الطحاوي فهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدى ابن أخت الفقيه المزني الشهير في المذهب الشافعي. وقد انتقل الطحاوي من مذهب الشافعية إلى مذهب الحنفية وألف مختصراً شهيراً في الفقه وتوفي بمصر سنة 321 هـ.
ومن مصنفات الطحاوي نظام القضاء والفقه العملي:-
1 - الشروط الصغير
2 - والشروط الكبير
3 - والشروط الأوسط
4 - والمحاضر والسجلات
الصفحة : 7
وقد أشار السمناني إلى أن للطحاوي أدب الحكام الصغير وأدب الحكام الكبير ونقل عنهما.
وأما الاصطخري فالمقصود به أبو سعيد الحسن بن أحمد ابن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار (أو يسار) بن عبد الحميد بن عبد الله بن هاني بن قبيصة بن عمرو بن عامر وقد وردت ترجمته في طبقات الفقهاء للشيرازي (ص - 91) حيث قال عنه:-
كان قاضي قم، وولي الحسبة، وكان ورعاً متقللاً، ولد في سنة 244 ومات في سنة 328 هـ وصنف كتاباً حسناً في أدب القضاء.
وأضاف السبكي في طبقات الشافعية الكبرى أنه كان أحد الرفعاء من أصحاب الوجوه وقال الخطيب كان أحد الأئمة المذكورين ومن شيوخ الفقهاء الشافعيين.
وقد ورد ذكره في البداية والنهاية لابن كثير في حوادث سنة 328 هـ فجاء علاوة على ذلك أنه ولي بعد قضاء قم "حسبة بغداد، فكان يدور بها، ويصلي على بغلته، وهو دائر بين الأزقة، وله كتاب القضاء لم يصنف مثله في بابه، توفي وقد قارب التسعين".
مراجع أخرى:
وأما محمد بن الحسن الشيباني فهو من أعلام المذهب الحنفي فقد كان صاحب الإمام أبي حنيفة ومدون المذهب صحب أبا حنيفة وأخذ الفقه عن أبي يوسف ودون الموطأ وحدث به عن مالك وهو اليوم موضع عناية الفقهاء الغربيين أنفسهم فقد كتب عنه الدكتور أوتوسبيس Otto Spies الأستاذ في جامعة بون مقالة نشرت في أعمال المؤتمر الدولي الخامس للقانون الموازن المنعقد في بروكسي سنة 1958 (مجلد 1 ص 125 - 129) بعنوان فقيه عظيم من فقهاء المسلمين، وقد ذهب في هذه المقالة إلى إعلاء شأن أبي يوسف والشيباني في تطوير المذهب الحنفي وبيان ما كان لهما من جهود وآثار.
الصفحة : 8
على أن السمناني لم يكتف بالرجوع إلى ما صنفه هؤلاء في نظام القضاء بل رجع إلى مراجع فقهية أخرى في المذهبين الحنفي والشافعي حيث نجده يشير في مواضع مختلفة إلى هذه المراجع بأسمائها وأسماء مصنفيها تارة أو بأسماء مصنفيها فقط بحيث يمكن أن نقول أنه رجع إلى:
1 - المذهب للشيرازى
2 - الخلاف للقدوري
3 - كتاب المزنى (المختصر)
4 - مختصر الطحاوي، وأدب الحكام وأدب القضاء الصغير
5 - شرح الدامغانى لمختصر الحاكم
6 - مختصر الكرخي
7 - محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الدعوى
8 - الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني والأصل والزيادات
9 - الأمالى لأبي يوسف
10 - القدوري في التجريد
11 - الخصاف في المفصل، وأدب القضاء
12 - علي بن موسى القمي: أحكام القرآن الصغير
13 - أبا عبيدة في الغريب
14 - مختصر أبي موسى الضرير
15 - ابن سماعه: النوادر والأمالي
16 - القضاء للاصطخري (الشافعي)
الصفحة : 9
17 - شروط الأصبغ
18 - عيون المسائل لأبي الليث السمرقندي
ومما يستحق الإشارة في هذا الصدد أن روضة القضاء خلت من الإشارة إلى ما كتبه الماوردي في الحاوي عن أدب القاضي مع أن الماوردي توفي قبل السمناني بتسع وأربعين سنة، فهل معنى هذا أن السمناني لم يطلع على كتاب الحاوي؟ مهما يكن من الأمر فإن كلا المصنفين رجعا إلى مراجع مشتركة في مقدمتها مصنف الاصطخري الشهير.
خطتنا في تعريف الكتاب وموضوعه:
مما سلف يتبين لنا أن مصنف روضة القضاة كان نقادة والكتاب يعالج موضوعاً لم يزل بحاجة إلى المزيد من الدرس والعناية، لقلة ما حقق ونشر عنه، ولتهجم بعض الغربيين وادعائهم أن القضاء الإسلامي تأثر بدوره بنظم القضاء الرومية والفارسية كما تأثرت نظم الدواوين الإسلامية. وخصائص هذا النظام الطريفة لم يكشف عنها القناع لتتجلى في ضوء البحث الموازن وتعرب عن أصالتها وطرافتها ومحاسنها وهناتها.
وإلى جانب كل ذلك فهذا الكتاب صنف بعد مرحلة طويلة من النمو والتطور خطا فيها بحث أدب القضاء خطوات متعاقبة، وألف فيه فقهاء أعلام ممن ذكرهم السمناني وغيرهم والعصر الذي ألف فيه هذا الكتاب بلغت فيه حركة التأليف في شتى فروع الفقه مرحلة بالغة من التطور والنضج ورسخت فيه أساليب علم الخلاف في استعراض مختلف أبواب الفقه دون تعصب أو غلو.
كل هذه الحقائق تدعونا بعد هذه التوطئة لتعريف المصنف والكتاب أن نبسط القول فندرس الموضوعات الآتية:
1 - نظام القضاء في الإسلام وخصائصه.
الصفحة : 10