الكتاب : روضة القضاة وطريق النجاة
في تصنيف : السياسة الشرعية والقضاء | عدد الصفحات : 1515
الفهرس
- معرفة الإمام | صفحة 68
- باب في طريق الإمام إلى الإمامة | صفحة 68
- في اختيار الإمام | صفحة 69
- فصل الدعوة | صفحة 70
- باب كيفية الولاية | صفحة 71
قيل إن معنى ذلك أنه أمر.
وقال:
{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}.
قيل خلق.
وقال:
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ}
يعني يحكم.
وقال:
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ}
قيل أعلمهم بإضافة القضاء إلى نفسه، وتمدح بهذا الاسم وذكره في عدة مواضع مضافًا إليه، وقد أضاف الحكم إليه فقال:
{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}
وأمر أنبياءه عليهم السلام بالحكم بما أنزل، ونهاهم عن الهوى وأمر بإتباع ما في التوراة والإنجيل، وحث نبيه على الحكم بما أنزل إليه، وجعل ذلك مهيمنًا على ما أنزل على غيره فقال:
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}
وقال:
{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}
4 - وقد اختلف الناس في أن اسم القاضي أشرف من الحاكم أم هما سواء؟
الصفحة : 49
فمنهم من قال:
إن اسم القاضي أشرف في اللغة.
ومنهم قال بالعكس من هذا.
ومنهم من قال هما سيان، ولهذا أضافهما الله تعالى إليه على سواء.
ورأيت كثيرًا من القضاة يكره أن يخاطب بالحاكم ويأنس في القاضي.
وكان شيخنا قاضي القضاة أبو عبد الله رحمه الله يبتذل أبدًا هذا الاسم يعني الحاكم ويلح على الخطاب بالقاضي، ولا أعلم هل قرأ ما صنف في الفرق بينهما أم لا، أو يقوله شهوة ولا شك أنه اسم مدح.
شرف رتبة القضاء
5 - والقضاء رتبة شريفة، ومنزلة رفيعة لا منزلة فوقها من المنازل، ولا رتبة أوفى منها إذا اجتمعت شرائطها وحصل في القاضي ما يفتقر إليه من الخصال، لأنها التي تولاها الله تعالى بنفسه، وبعث بها رسله عليهم السلام، وتولاها رسوله صلى الله عليه، وقام بها أئمة العدل بعده، فينبغي لمن يملك الولاية أن يختار لهذه الرتبة من لا يقدر العالم على أصلح منه ولا أفضل، ولا أكمل، كما اختار الله تعالى لرسالته صفوة كل عالم ورئيس كل جيل وأفضل أهل كل زمان، كما قال تعالى:
"وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"
وقال تعالى:
{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
وقال تعالى:
{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}
وقال:
الصفحة : 50
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ}.
وقال:
{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ}.
وقال:
{وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ}.
6 - فلا ينبغي أن يختار إلا من يغلب على الظن أنه أوفى مختار، وأكمل إنسان.
شرائط تولي القضاء
7 - فمن الشرائط التي لا بد منها في الحاكم أن توجد: أن يكون ذكرًا بالغًا، ويكون عاقلاً، لأن بالبلوغ يخرج من الصبا وبالعقل يصير مكلفًا. لأن من ليس بعاقل فهو مولى عليه كالمجنون والصغير.
8 - ومنها أن يكون حرًا، لأن العبد مملوك المنافع، يتصرف فيه بالعقود ويمنع من التصرف في الأمور، فمن لا يملك التصرف في نفسه فكيف يتصرف في غيره؟
وهذه الجملة لا خلاف فيها نعلمه.
9 - ومنها أن يكون مسلمًا، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ولأن الكافر لا يلي على المسلم.
الصفحة : 51
10 - ومنها أن يكون عدلاً، لأن الفاسق لا يقبل قوله، وقد أمر الله بالتوقف في قوله، بقوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}
ولأنه متهم في الحكم لئلا يجور.
11 - واختلف في جواز ولاية النساء للقضاء والحكم، فقال أبو حنيفة وسائر أصحابه: يجوز أن يلين القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدهن أو مع الرجال، ولا يجوز في الحدود والقصاص لأن شهادتهن لا تقبل في ذلك.
12 - وقال الخوارج يجوز ذلك في الجميع.
13 - وقال الشافعي ومالك وغيرهما من الفقهاء لا مدخل للنساء في ولاية القضاء والحكم بحال.
14 - فأبو حنيفة جعل قضاءها بمنزلة شهادتها، قال: وقبول قولها في الشهادة على غيرها كقبول حكمها على غيرها لأن في الشهادة معنى الولاية.
والشافعي يقول: لو جاز قضاؤها في الأموال لجاز في الحدود والقصاص كالرجل، ولجاز أن تكون إمامًا للجماعة.
وقيل له: الحدود لا تقبل شهادتها فيها. ويجوز أن يقضي من لا يكون إمامًا كغير قريش من الناس.
الصفحة : 52
فصل
15 - وأجمعوا على أنها يجوز أن تكون وصيًا ووكيلاً وقاسمًا وأمينًا وأنها كالرجل في سائر العقود والحدود وأنها أولى من الرجل بالحضانة والتربية، وأنها يقبل قولها فيها لا يطلع عليه الرجال ولا يقبل قول الرجال في ذلك. واختلفوا في ولاية النكاح، وسيأتي ذلك في باب النكاح إن شاء الله "تعالى، والحمد لله وحده".
باب اعتبار العلم في القاضي وما يذكر في ذلك وشروطه
وحد الاجتهاد
16 - اعلم أنه لا يكفي أن يكون القاضي بالغًا عاقلاً صالحًا ورعًا حرًا مسلمًا عدلاً له تمييز ورأي في ولايته، حتى يكون عالمًا لأن العلم للقاضي كالآلة بالنسبة لسائر الصناع.
أنواع العلوم الشرعية
17 - والعلم علمان:-
علم الأصول وعلم الفروع.
18 - فعلم الأصول هو علم التوحيد وما يجوز على الله تعالى وما لا يجوز عليه، وعلم النبوات ونسخ الشرائع وإقامة الدلائل على ذلك، وإبطال أقوال مخالفي الملة والقائلين بنفي الصانع والطبائع والناسخ، والفرق بين المعجزة والشعبذة، وطريق هذا العلم إنما هو سلامة الحواس، وكمال العقل والتفكر في الموجودات، ومتى اختل طريق معرفتها أو دخل في ذلك لبس لم يحصل للإنسان علم بذلك. ولهذا اتفقت الشرائع كلها في ذلك ولم يختلف فيها التكليف بل سوى فيها بين الرسول والمرسل إليه، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والعامة والعلماء، واستوى في ذلك التعبد في سائر الأزمان، وليس الغرض ذكر أنواع العلوم العقلية ولا قسمتها ولا حد الضروري منها والمكتسب وغير ذلك فلم نذكره لك.
الصفحة : 53