الكتاب : روضة القضاة وطريق النجاة
في تصنيف : السياسة الشرعية والقضاء | عدد الصفحات : 1515
الفهرس
- لمن صنفت الروضة؟ | صفحة 3
- عصر البويهيين والسلاجقة وحظ الثقافة الإسلامية فيه | صفحة 4
- أهداف المصنف وخطته | صفحة 6
- خطتنا في تعريف الكتاب وموضوعه | صفحة 10
- خصائص النظام القضائي في الإسلام | صفحة 11
وبالرغم مما ورد في أول صحيفة من هذه المخطوطة من أنها بخط مصنفها فإن ما ورد في خاتمتها ينقض هذا الزعم كما أن أسلوب الكتاب، وما جاء فيه من اختزال بعض الكلمات أو سقوطها ومن أغلاط نحوية ليدل على أن هذه المخطوطة نسخت عن مخطوطة أخرى كانت بخط المصنف.
لمن صنفت الروضة؟
ويستفاد من مقدمة الكتاب أن السمناني صنفه بناء على طلب:
"نظام الملك وقوام الدين، العادل، العالم، المنصور، المظفر ... أبي علي الحسن بن (الحسين) بن علي بن إسحق، رضى أمير المؤمنين".
ونظام الملك هو الوزير السلجوقي الشهير مؤسس المدارس النظامية في بغداد وغيرها من حواضر الإمبراطورية السلجوقية. وقد كان الوزير معروفاً بميله لنشر العلم وتكوين طبقة من الكتاب والفقهاء تتولى تدبير تلك المملكة الفتية التي قامت على أثر هجرة تركية جارفة تزعمها السلاجقة، ولا غرو فقد كانت تلك السلطنة الناشئة الفتية بحاجة إلى تنظيم إداري تحصل به الموازنة بين السيف والقلم، وتستقر به دعائم المملكة السنية الناشئة على أنقاض الدولة البويهية الشيعية ولشدة حرصه على تنظيم دولة السلاجقة ألف بالفارسية كتاباً في السياسة عنوانه "سياستنامة". وكان مزاج ذلك العصر يميل إلى ربط كل دولة من دول الطوائف بمذهب تعتنقه الدولة وتتعصب له وهي خطة ممقوتة تركت آثارها السيئة في المجتمع الإسلامي عصوراً طويلة إلى أن أفاق من بدعتها والتزمت معظم الدولة الإسلامية المعاصرة جانب الحياد تجاه المذاهب وإن شذت عن هذه السياسة إيران وأفغانستان إذ اتخذت الأولى من الإمامية الاثنى عشرية واتخذت الثانية من الحنفية مذهباً رسمياً مع أن الإسلام ولد ولا مذاهب فيه ويمكنه أن يستمر في الاضطلاع برسالته دون التقيد بمذهب أو التزام قول دون قول.
الصفحة : 3
عصر البويهيين والسلاجقة وحظ الثقافة الإسلامية فيه:
ومهما يكن فإن العصر الذي عاش في ظل حضارته كل من السمناني ونظام الملك وظهرت آثاره في عمق ثقافة أولهما وتنوعها ومساعي ثانيهما وجهوده، إن هذا العصر يتسم بقيام الدولة السلجوقية السنية على أنقاض الدولة البويهية التي اصطنعت التشيع وأسرفت في تقييد سلطة الخلافة العباسية وإذلال الخلفاء العباسيين بالعزل وسمل العيون.
ولقد حققت القبائل التركية الموحدة في ظل زعامة السلاجقة ما عجز أسلافهم قبل الإسلام عن تحقيقه من استقلال عن تسلط الحكم الفارسي الساساني والسيادة الفارسية على الشعوب التركية المحاربة، فتهيأ بذلك للامة التركية -كما تهيأ من قبل للامة العربية- أن تبدأ مرحلة تكونها القومي الحديث بفضل اعتناق تلك القبائل المهاجرة الإسلام وتحولها من قبائل مبعثرة إلى أمة مجاهدة تضطلع برسالة الدين الإسلامي الحنيف وتدين للإسلام -كما دان العرب من قبل- بهذا التحول في البنية الاجتماعية فتسارع الخلافة العباسية إلى اصطناعها والاستعانة بها على التحرر من نير البويهيين، وما اصطنعه البويهيون من سياسة إذلال الخلافة العباسية، وما أدخلوه على المجتمع الإسلامي في العراق من عادات غير مألوفة هي في نظر أهل السنة وعقلاء الشيعة أنفسهم من البدع التي لا يقرها الإسلام. ومع ذلك فإن هذا السلطان السياسي والنتول القومي الذي تحقق في ظل الدولة السلجوقية لا يعني قيام القطيعة بين عناصر الثقافة الإسلامية التي اضطلع برسالتها الإنسانية الجامعة جميع العناصر القومية الإسلامية من عربية وفارسية وتركية، فقد كانت تلك الثقافة من القوة والفتوة بحيث لم يزدها قيام دول الطوائف إلا متانة ونتولا، ولذا فإن الدولة السلجوقية التركية احتضنت في مضمار الإدارة والثقافة كلاً من اللغتين العربية والفارسية، ولا غرو فإن القوميات الإسلامية تختلف مفاهيمها عن القوميات الغربية لأنها تقوم على أساس مما دعى إليه الإسلام من التعارف والتواضع لا التنابذ والتعالي ومن الأخوة البشرية لا البغضاء الشعوبية ومن أواصر القربي في الإنسانية التي تمت في البداية بأدم وتنتهي في النهاية إلى التراب.
الصفحة : 4
هذه الحقيقة هي التي تفسر لنا أن الدولة السلجوقية الناشئة لم تكد تستقر لها أسباب الملك والسلطنة حتى سعت إلى حماية تلك الثقافة الإسلامية الجامعة، وجنحت إلى المذاهب المعتدلة في تصوير الخلافة ولم تجنح إلى سياسة شعوبية قاتمة تبصق في وجه الفلك من فرط حقدها، وشجعت تأسيس المدارس والجامعات وأتاحت فرصة استمرار انبثاق النبوغ في جميع أرجاء إمبراطوريتها، فنشأ في عصرها مفكرون وفلاسفة وفقهاء عظام، وكل ذلك بالرغم من عوامل الاضطراب التي كانت تشيع في الإدارة وجباية الضرائب، تلك العوامل التي كانت تبرر مصادرة أموال الوزراء والولاة وتعذيبهم بين فينة وأخرى، ذلك أن قيام دول الطوائف المتنافسة في قلب الخلافة الإسلامية من بويهية وسلجوقية وغيرها واستقرار سلطات تلك الدولة المتوثبة بعد فترة الاستيلاء العنيفة كان لا بد له من الشعور بعد ذلك بالحاجة الماسة إلى الاستقرار والتنظيم وإلى طائفة من رجال الفكر والإدارة والفقه وسائر ضروب المعرفة كيما يعود للدولة وللمجتمع ما فقداه من طمأنينة وأمن.
والحاصل فقد كانت منجزات السلاجقة -كما وصفها أحد الباحثين الناشئين- رائعة فقد قاومت الغزو الصليبي وأدركت مخاطر المذاهب الباطنية، ونشطت نشاطاً كبيراً في إنشاء المدارس ودور العلم والعناية بالدارسين والباحثين "فكان محط نظرهم هو أن العلم من أهم الأسلحة التي ينبغي أن تتوفر للامة لصد العدوان عنها ورد كيد الطامعين فيها والطاعنين عليها".
وهكذا فإن القلق السياسي الذي كان شائعاً يومئذ لم يحل دون الاستقرار الثقافي والنتول الفكري في المجتمع الإسلامي، فكان ما يحل بالعالم الإسلامي من زعازع وقلاقل وكوارث سرعان ما يضمن التقدم الثقافي له سبيل الهداية والرشاد والتوجيه في ظل مبدأ دستوري إسلامي شهير هو مبدأ الأمر بالمعروف
الصفحة : 5
والنهي عن المنكر، فلا عجب إن وجدنا دول الطوائف مرهفة الشعور بالحاجة الماسة إلى اصطناع الطبقة المثقفة ثقافة موسوعية جامعة، وقد كان من أعلام تلك الطبقة أسماء خلدها التاريخ كالغزالي والماوردي والسمناني ونظام الملك الذي أخذ بيد السمناني لما لمسه فيه من سعة الثقافة والدراية بالفقه والتاريخ وصنفت الروضة تعبيراً عن عميق الولاء لذلك الوزير.
أهداف المصنف وخطته:
لقد رمى مصنف الروضة بتأليفه أن يكون كتاباً جامعاً مبسطاً بحيث "يحتاج إليه العلماء والمتعلمون والخاصة والعامة، ولا يستغني عنه في أدب الفقه (القضاء) على جميع مذاهب الفقهاء".
والواقع أن هذا الغرض المزدوج الجامع بين إفادة المتعلمين من ناشئة الفقهاء والمتضلعين منهم من الأغراض التي حرص على اتباعها في مصنف آخر مكمل لهذا الكتاب وردت إليه الإشارة في الروضة في باب "كاتب القاضي" حيث جاء "وقد صنفنا في الشروط كتاباً سميناه كنز العلماء والمتعلمين في علم الشروط".
وإلى مثل هذا الغرض رمى إمام الهدى الفقيه أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي عند تصنيفه كتاب خزانة الفقه.
نحن إذن أمام مؤلف له هدف واضح، وهو فوق ذلك محيط بموضوعه وبما صنف فيه قبل ذلك من كتب إحاطة ناقد بصير، وقد صرح بنفسه بهذه الحقيقة فقال في مقدمته على الروضة.
صنف في ذلك كتب كثيرة كالذي صنفه الخصاف والطحاوي والاصطخري ومحمد بن الحسن (الشيبانى) وسائر شروح الضالعين فمنهم من أطال، ومنهم من قصر، ومنهم من قدم ما لا يحتاج إليه، ومنهم من أخر، ولم يرتب
الصفحة : 6
الأبواب، ولا عقد الفصول، ولا كشف قناع العلم، ولا أتى ما يحتاج إليه على نمط الحاجة.
فالسمناني -كما ترى- مؤلف ناقد مضطلع أحاط بما كتب السابقون عليه في موضوعه من أعلام وضالعين فلم يتردد في نقد ما في كتب هؤلاء وأولئك وما وقعوا فيه من هنات.
ونحن إذن أمام مصنف فقهي على جانب من الأهمية كبير اختط مصنفه لنفسه خطة وتمسك بمنهج يفي في رأيه بالحاجة فلا تطويل فيه ولا تقصير ولا عجز عن النفاذ إلى صميم الموضوع. وهؤلاء الذين ذكرهم السمناني كانوا من أعلام الفقه في المذهبين الحنفي والشافعي فالخصاف هو أحمد بن عمرو الشيباني المتوفى ببغداد سنة 261 هـ ومن مصنفاته كتاب أدب القاضي، وكتاب الشروط الكبير وكتاب الشروط الصغير وكتاب المحاضر والسجلات وهي جميعاً من المراجع النظرية العلمية في دراسة نظام القضاء في الإسلام.
أما الطحاوي فهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدى ابن أخت الفقيه المزني الشهير في المذهب الشافعي. وقد انتقل الطحاوي من مذهب الشافعية إلى مذهب الحنفية وألف مختصراً شهيراً في الفقه وتوفي بمصر سنة 321 هـ.
ومن مصنفات الطحاوي نظام القضاء والفقه العملي:-
1 - الشروط الصغير
2 - والشروط الكبير
3 - والشروط الأوسط
4 - والمحاضر والسجلات
الصفحة : 7