الكتاب : روضة القضاة وطريق النجاة
في تصنيف : السياسة الشرعية والقضاء | عدد الصفحات : 1515
الفهرس
- مقدمة في التعريف بالسمناني وكتابه روضة القضاة وطريق النجاة | صفحة 1
- لمن صنفت الروضة؟ | صفحة 3
- عصر البويهيين والسلاجقة وحظ الثقافة الإسلامية فيه | صفحة 4
- أهداف المصنف وخطته | صفحة 6
- خطتنا في تعريف الكتاب وموضوعه | صفحة 10
- خصائص النظام القضائي في الإسلام | صفحة 11
- ترجمة السمناني | صفحة 14
- ما أثمرته روضة القضاة | صفحة 25
- نماذج من قواعد الفقه الإسلامي كما صاغها السمناني | صفحة 26
17 - شروط الأصبغ
18 - عيون المسائل لأبي الليث السمرقندي
ومما يستحق الإشارة في هذا الصدد أن روضة القضاء خلت من الإشارة إلى ما كتبه الماوردي في الحاوي عن أدب القاضي مع أن الماوردي توفي قبل السمناني بتسع وأربعين سنة، فهل معنى هذا أن السمناني لم يطلع على كتاب الحاوي؟ مهما يكن من الأمر فإن كلا المصنفين رجعا إلى مراجع مشتركة في مقدمتها مصنف الاصطخري الشهير.
خطتنا في تعريف الكتاب وموضوعه:
مما سلف يتبين لنا أن مصنف روضة القضاة كان نقادة والكتاب يعالج موضوعاً لم يزل بحاجة إلى المزيد من الدرس والعناية، لقلة ما حقق ونشر عنه، ولتهجم بعض الغربيين وادعائهم أن القضاء الإسلامي تأثر بدوره بنظم القضاء الرومية والفارسية كما تأثرت نظم الدواوين الإسلامية. وخصائص هذا النظام الطريفة لم يكشف عنها القناع لتتجلى في ضوء البحث الموازن وتعرب عن أصالتها وطرافتها ومحاسنها وهناتها.
وإلى جانب كل ذلك فهذا الكتاب صنف بعد مرحلة طويلة من النمو والتطور خطا فيها بحث أدب القضاء خطوات متعاقبة، وألف فيه فقهاء أعلام ممن ذكرهم السمناني وغيرهم والعصر الذي ألف فيه هذا الكتاب بلغت فيه حركة التأليف في شتى فروع الفقه مرحلة بالغة من التطور والنضج ورسخت فيه أساليب علم الخلاف في استعراض مختلف أبواب الفقه دون تعصب أو غلو.
كل هذه الحقائق تدعونا بعد هذه التوطئة لتعريف المصنف والكتاب أن نبسط القول فندرس الموضوعات الآتية:
1 - نظام القضاء في الإسلام وخصائصه.
الصفحة : 10
2 - سيرة مصنف الكتاب وآثاره وثقافته.
3 - ما أضافه هذا الكتاب إلى موضوع نظام القضاء من جديد سواء من حيث صياغة المبادئ أو تعليل الفروق بين مختلف آراء المذاهب أو التزام الأسلوب العقلي الهادئ المحايد إلى حد كبير من الحياد العلمي الذي أتيح لأبناء ذلك العصر.
خصائص النظام القضائي في الإسلام:
للنظام القضائي في الإسلام تاريخ طويل حافل بالحركة والنضال في سبيل العدل والإنسان والحق والشرع، وملامح جذابة لما فيها من طرافة، ولقد توثقت صلتي بهذا النظام منذ أن صنفت كتابي "الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية" إلى أن درسته في جانبيه الفقهي النظري والتاريخي وأعددت فيه أبحاثاً مخطوطة رأيت أن أخدمها بنشر بعض ما صنف في أدب القضاء لتزداد ثروتنا ومراجعنا في هذا المضمار.
والواقع أن النظام القضائي في الإسلام تمكن في خلال تاريخه الحافل في بعض العصور بالحركة والكفاح والتطور والمتناقضات أن يملي على صفحة الفقه والقضاء أروع القواعد والمبادئ التي تكلفت برعاية حقوق الإنسان وصيانه كرامته وعرضه وماله من التعدي والإتلاف والغصب والجور والشطط.
وحسبك أن تعلم أن المدين كان يباع بالدين في شريعة روما ومصر وأعراف الغرب قبل الإسلام فلما هيمن الشرع الإسلامي على مصر وطولب القضاء الإسلامي ببيع المدين بالدين تقرر أن المدين لا يباع بالدين كالسلعة ولكن يترك ليسعى لنفسه وللدائنين.
ولقد خاض هذا النظام في سبيل تحقيق ذلك أعنف المعارك وامتحن فيه بعض القضاة أقسى امتحان وحفل بأكثر الآراء والحلول تنوعاً ومراعاة لجوانب مختلفة من العدالة المحضة والمصلحة والضرورة ودون تاريخه سطوراً من نور
الصفحة : 11
ولكن هذا التاريخ لم يخل من عصور انحطاط وقضاة سوء استباحوا الرشوة وحادوا عن جادة الحق وسجلت كتب تاريخ القضاة عنهم اسوأة السير والصفحات بكل صراحة وتندر حتى أصبح لدينا تاريخ حافل بهذه المتناقضات وأضيف إلى ثروتنا الأدبية فصل خاص بما قيل في القضاة من قدح وذم وتجريح وسخرية.
وإلى جانب كل ذلك فإن للنظام القضائي الإسلامي خصائصه الخاصة ببنيته وتركيبة ينفرد بها عن سائر النظم القضائية حيث قام بالدرجة الأولى على أساس نظام القاضي الفرد الذي أتيح له استشارة الفقهاء في مجلسه وخارج مجلس الحكم وهذا الطراز من المحاكم يرجع إلى تقاليد العرب قبل الإسلام حيث ساد نظام التقاضي لدى حكم أو كاهن فرد ولا صلة له بطراز المحاكم في الشرائع القديمة الأخرى.
ولم يحظ حكم القاضي في ظل هذا النظام بدرجة كافية من القطيعة بل كان عرضة للنقض في الأمور غير الاجتهادية وفق شروط وفروض معينة كما كان القاضي نفسه عند عزله عرضة "للإيقاف" أي لعرضه على الحساب الدقيق والسؤال والمراجعة.
وهذا أغرب ما في هذا النظام بالقياس إلى سائر النظم القضائية في مختلف الشرائع المعروفة ودليل على مدى تغلغل مبدأ سيادة القانون في هذا الشرع الذي تقرر فيه خضوع الحاكم والمحكوم لحكم القاعدة القانونية ومسؤولية أولي الأمر عما عهد إليهم الاضطلاع به من الشؤون العامة والخاصة.
لقد منح الإسلام للقاضي سلطة واسعة وأناط به مهمات خطيرة، ولكنه جعله مسؤولاً مسؤولية خطيرة في دنياه وآخرته حتى شبه من ولي القضاء بمن ذبح بغير سكين.
الصفحة : 12
لقد كان القضاء في عصور طويلة يتمتع بأخطر مركز بعد مركز الخلافة، ولذا كانت دراسة تاريخه من الأمور المتمتعة والجديرة بالبحث لأنها قمينة بأن تكشف لنا النقاب عن طبيعة نظام الحكم في الإسلام، وعن نوع من الديمقراطية والعدالة حاول الإسلام إناطة تحقيقها بالقضاء، وأكد فيها على العدالة والمساواة أمام الشرع وعلى سيادة الشرع على جميع المكلفين حكاماً ومحكومين وعلى التزام القضاء الحياد التام بين المراكز والحقوق فسطر بذلك أنبل ما رمت إلى تحقيقه الثورة الفرنسية من حقوق الإنسان قبل أن تولد هذه الثورة، وأن تسطر فلسفتها بعصور وعصور. ولكن الفقه أناط بالقضاة مهمة النضال في سبيل هذه المبادئ ولم ينط ذلك بقواعد موضوعية أو إجراءات محددة معقدة مضمونة الجواب اللهم باستثناء حق القاضي في تفتيش السجون وإطلاق سراح المسجونين ظلماً.
ولذا فقد تشدد الفقه الإسلامي في صفات القضاة وأعوانهم والشهود وتزكيتهم وتعديلهم، وتشدد السمناني أكثر من غيره لعلة سنشير إليها، ولكنه لم يخدع بما اشترطه هو والفقهاء من قبله فقد اعترف لنا بمرارة بواقع الحال حيث أتيح له معاشرة شيخه قاضي القضاة الدامغاني ثلاثين سنة تولى فيها الشيخ قاضي القضاة منصب القضاء فحدثنا في مواضع مختلفة عن واقع القضاة وعن مجلس شيخه.
تلك هى خصائص النظام القضائي في الإسلام، ولسنا بحاجة إلى أن نطيل القول فيها أكثر من ذلك ولا أن نعرض على القارئ القواعد الدستورية التي حررها الفقه في هذا المضمار لأن كل ذلك سيذكر في كتابنا المفرد لنظام القضاء الإسلامي ولكننا سنكتفي في آخر هذا البحث باستنباط بعض القواعد من كتاب السمناني ليكون مجموعها أنموذجاً لهذا الدستور.
لم يكن السمناني إذن نقالة جماعة في تصنيفه بل كان نقادة رسم لنا الجانب النظري ولم يخف علينا واقع حال القضاء في عصره فنقل إلينا من تجاربه وملاحظته سير الواقع ومجرى الأحداث ما يجعل المتعة المرجوة من كتابه مضاعفة، ولا غرو فقد اكتوى السمناني نفسه بنار القضاء -كما سنرى- وقد أتيح له
الصفحة : 13
أن يختبر ما سن من القواعد المثالية لدستور القضاء في ساحة القضاء نفسه فلم يكذب علينا ولا خاتل ولكنه لم يحد عن احترامه لشيخه قاضي القضاة وإعجابه به، وبما كان يجري عليه العمل في زمانه في مجلس حكمه.
وثمة أشياء أخرى يكشف عنها النقاب كتاب الروضة فإن مؤلفه لم يكتف بتقرير أحكام نظام القضاء في الإسلام ولكنه بين لنا وجه استنباط تلك الاحكام والقواعد فلم يكن يكتفي بالقياس على نظم الفقه الخاص من وكالة ونيابة بل كان يلحظ الفرق بين الأمرين أحياناً وكان في مواضع أخرى يعمد في الاستنباط إلى مقتضيات الحاجة والمصلحة.
والواقع أن جميع هذه الحقائق تبدو جلية في كتاب روضة القضاة حيث يقرر السمناني في مواضع مختلفة منها أوجه القياس على الوكالة، ويقرر أحياناً وجود الفارق بين القضاء والإمامة وبين الوكالة، وحيث يذكر بصراحة أن الإمامة نيابة عن الامة، وحيث يعرض علينا محاولة الفقه تخفيف عبء الحساب والمسؤولية عن عاتق القاضي المعزول بجعل القول قوله فيما يدعى عليه.
ترجمة السمناني:
مولده ودراسته:
وردت ترجمة السمناني في كل من الجواهر المضية (ج 1 ص 375 - 377) والفوائد البهية (ص 123 - 124) ومنهما يستفاد أنه علي بن محمد بن أحمد الرحبي أبو القاسم ويعرف بابن السمناني. ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن إبراهيم الهمداني في طبقات أبي حنيفة فقال:
"مولده رحبة مالك بن طوق".
الصفحة : 14