الكتاب : الجامع لمسائل المدونة

في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 9687

بحث في كتاب : الجامع لمسائل المدونة

تصلح للمعنيين وقع الخلاف.
وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ، وأدار يده على مرفقيه فكان فعله بياناً، ورفعاً للإشكال. ويأتي بعد هذا شيء من ذكر الحجة في ذلك.
الخامس: مسح الرأس.
اختلفوا في مسحه، فذهب مالك رحمة الله إلى مسح جميعه، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي، وقال محمد بن مسلمة: أن مسح ثلثيه أجزأه. وقال
الصفحة : 26


أبو الفرج: أن مسح ثلثه أجزاه.
والدليل لمالك، قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ {فهو كقوله في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ {.
فلما لم يجز أن يقتصر على مسح بعض الوجه باتفاق، وجب أن لا يقتصر على مسح بعض الرأس.
وكقوله: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ {، الذي لا يجوز الاقتصار فيه على بعض الطواف؛ ولان الباء إنما دخلت للإلصاق، كقولك: كتبت بالقلم، أي ألصقت الكتابة به، وليس هو كما زعموا أنها للتبعيض.
الصفحة : 27


دليلنا: أن الاستثناء يصح فيما ذكرنا، ولا يصح فيما كان للتبعيض، لو قلت: امسح برأسك، إلا بعضه جاز، وكأنك قلت: امسح رأسك، إلا بعضه، ولا يجوز امسح ببعض رأسك إلا بعضه؛ لأنك استثنيت مجهولاً من مجهول، ولو صح أنها تصلح للمعنيين وأشكل ذلك فقد رفع الإشكال فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ ومسح جميع رأسه، وقال: ((هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)).
فان قيل: فقد روي أنه مسح ببعض رأسه فدل أنه الواجب، وما رويتموه استجاباً أذا إنما يقتدي في مثل هذا بالأقل.
قيل: بل ما رويناه هو الواجب؛ لإجماع الصحابة عليه رواية وفعلاً، وإنما شذت رواية أنه مسح برأسه، ويمكن أن يكون فعل ذلك لعلة، أو فعله مجدداً.
ومذهب مالك رحمه الله: أن لا يمسح الرأس على حائل، إلا لعلة، وبه
الصفحة : 28


قال فقهاء الأمصار، إلا الثوري وابن حنبل، فأنهما أجازا أن يمسح الرأس على حائل، عمامة أو غيرها، وان كان لغير عذر.
فالدليل لمالك، قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ {، فمن مسح على حائل فلم يمسح على رأسه.
ولما روي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بيديه مباشراً له، وتمادى فعله وفعل أصحابه عليه، وانه توضأ، وعليه عمامة، فادخل يديه من تحتها ومسح برأسه.
الصفحة : 29


فإن قيل: فقد روي أيضا أنه مسح على عمامته.
قيل: هذا حديث مضطرب فيه، غير معتمد عليه، ولو صح فهي فعلة واحدة يمكن أن تكون لعذر أو لتجديد.
السادس: غسل الرجلين:
فمذهب مالك غسل جميعهما إلى الكعبين، وهو مذهب، فقهاء الأمصار، إلا شذوذ طائفة من أهل الشيعة. ذهبوا إلى المسح، ولا يعد مثل ذلك خلافاً.
ومن الدليل لمالك قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ {، نصباً عطفاً على غسل الوجه واليدين؛ ولىنه إلى الكعبين كما حدد إلى المرفقين.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ويل للإعقاب من النار)) يدل على أنه الغسل، وكذل فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلف هذه الأمة.
الصفحة : 30