الكتاب : الجامع لمسائل المدونة
في تصنيف : فقه مالكي | عدد الصفحات : 9687
الفهرس
ووطن نفسك لم صحبت من الإخوان، وستبلى من أقوام بسفه وخفة فإن عارضتهم وكافيتهم بالسفه فإنك قد رضيت ما أتوا به، فاجتنب ذلك.
لا تلتمس عليه صاحبك والطعن عليه في كلمة ورأي، ولا تفزعه ولا تنكته وإن وضحت حجتك واستبان رأيك فإن ذلك ضعف في العمل ولوم في الأخلاق.
ولا يعجبك إكرام لدين أو مروءة فإن المروءة لا تزايلك في الدنيا والدين لا يزايلك في الآخرة.
واعلم أن الخير منقلبة والحرص محرمة؛ لأن من يقبل مدبرا أكثر ممن يدبر مقبلا، وأن من يطلب إليك بالإجمال والتكرم تسخو نفسك بطلبته له أكثر مما يطلبك بالقوة.
إذا عرض لك أمران ولم تدر أيهما أصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه؛ فإن أكثر الصواب في مخالفة الهوى.
لا تجالس أحدا بغير طريقته.
الصفحة : 9682
إياك أن تلقى الجاهل بالعلم والحليم بالسفه، والعيي بالبلاغة، فإن فعلت أضعت علمك وآذيت جليسك.
وإذا عاشرت أحدا فاحذر أن يرى منك العيب لأحد من إخوانه وأخدانه؛ فإن ذلك يأخذ من القلب مأخذا.
وإن لطفك بصاحب صاحبك أحسن عنده موقعا من لطفك به نفسه.
اعلم أنك ستسمع الحديث من جلسائك تمكره وتستخفه من المحدث عن نفسه أو عن غيره فلا يكن منك التسخيف ولا التكذيب في شيء مما يأتي به جليسك.
اتق المزاح عند المحزون؛ فإنه يحقره، وتشكي للمكتئب؛ فإنه يألفه.
اعلم أن اليقضة خوف والمودة أمن فاستكثر من المودة صامتا فإن الصمت يبيدعوها إليك، وناطق بالحسن فإن النطق بالحسن فإن النطق الحسن يزيد في ود الصديق ويسأل سخية الوعد.
الصفحة : 9683
اعلم أن خفض الصوت وسكون الريح ومشي القصد من دواعي المودة إذا لم يخالط ذلك زهو ولا عجب، فإن آثرت أن يخالط ذلك شيء من الزهو والعجب كان ذلك من دواعي المقت والمشنآن.
وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام؛ فإن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التفلت إلى الجواب، والإقبال بالوجه والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول.
اعلم أن المستشار ليس بكفيل؛ فإن الرأي ليس بمضمون لي هو كله عذر؛ لأن أمور الدنيا ليس شيء منها يدركه الحازم إلا وقد يدركه العاجز، فإذا أشار عليك صاحبك برأي فلم تجد عاقبته على ما كنت تأمل فلا تجعل ذلك عليه لوما وعذابا، فتقول: أنت فعلت هذا، أو أنت أمرتني ولولاك، فإنه كله عجز ولوم، وإن كنت أنت المشير برأيك فوافق صوابا أو خطأ فلا تمنن له ولا تكثرن ذكره إن كان فيه نجاح، ولا تلمه عليه إن كان استبان في تركه ضرر،
الصفحة : 9684
ذكره إن كان فيه نجاح، ولا تلمه عليه إن كان استبان في تركه ضرر، تقول: ألم أقل لك، ألم أفعل؛ فإن هذا مجانب لأدب الحلماء.
واعلم أن من الأخلاق السيئة مغالبة الرجل على كلامه والاعتراض فيه والقطع للحديث، فإذا أخذ في حديث تعرفه فلا تسابقه إليه وتفتحه عليه وتشاركه فيه حتى كأنك تريد أن تفصح للناس أن يعلموا أنك تعلم من ذلك مثل الذي يعلم، وما عليك أن تعنيه وتفرده به.
وهذا الباب من أبواب البخل، وأبوابه كثيرة غامضة.
وإن كنت في قوم ليسوا ببلغاء ولا فصحاء فدع التطاول بالبلاغة والفصاحة.
وإذا تغير عليك شيء من دنياك ودعتك نفسك إلى الزهادة فيها على ما تغير عليك منها فلا يغرنك ذلك من نفسك على تلك الحال؛ فإنها ليست بزهادة
الصفحة : 9685
ولكنه ضجر عندما أعجزك منها وغضب منك عليه، فلو مضيت على رفضها أو أمسكت عن طلبها أوشكت أن ترى من نفسك الضجر والجزع أشد مما رأيت من الضجر الأول، ولكن إذا دعتك نفسك إلى رفض الدنيا وهي مقبلة عليك فأسرع إلى إجابتها.
وإني أخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني وكان من عظمته في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه لا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر ما يجد، وكان خارجا من سلطان فرجه فلا يدعوه إلى موته ولا يسخف له رأيا، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يقدم أبدا إلا على ثقة بمنفعة، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا قال عند القائلين كان متضاعفا مستضعفا، وإذا جد الجد فالليث عاديا، وكان لا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا منصفا وشهودا عدولا، وكان لا يلوم أحدا على ما قد يكون العذر في مثله موجودا حتى يعلم ما اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلا لمن يرجو عنده البرء، ولا يصاحب صاحبا إلا من يرجو عنده النصيحة لهما جميعا، وكان لا يتبرم
الصفحة : 9686