الكتاب : التهذيب في فقه الإمام الشافعي
في تصنيف : فقه شافعي | عدد الصفحات : 4131
الفهرس
- مقدمة التحقيق | صفحة 4
- مقدمة المؤلف | صفحة 109
- كتاب الطهارة | صفحة 148
- كتاب الصلاة | صفحة 500
- كتاب العيدين | صفحة 867
التهذيب
في فقه الإمام الشافعي
تأليف
الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي
المتوفي سنة 516 هـ
تحقيق
الشيخ عادل أحمد عبد الموجود الشيخ علي محمد معوض
الجزء الأول
يحتوي على
كتاب الطهارة
منشورات
محمد علي بيضون
دار الكتب العلمية
بيروت- لبنان
الصفحة : 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فيحسن بنا ونحن نقدم هذا الكتاب المبارك لهذه الأمة المرحومة أن تضع بين يديه مقدمة تجمع طرفاً من محاسن الشريعة يتمثل في العناوين الآتية:
1 - الحاجة إلى التشريع.
2 - أقسامه.
3 - مميزاته.
4 - المصلحة العامة في التشريع.
5 - منابع التشريع الإسلامي.
6 - تطور التشريع الإسلامي.
7 - اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم.
إلى غير ذلك مما نراه منشوراً بين يدي صفحات المقدمة.
الصفحة : 4
الحاجة إلى الشريعة
لعلنا لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا: إن الشرائع أمر ضروري للبشرية جمعاء؛ لما جبلت عليه النفوس البشرية من التَّنَافس والتَّسَابق في أمور كثيرة، قد يؤدي التعارض فيها إلى كثير من الآلام والمصاعب.
إن النفس البشرية مبنية على إدراك اللذائذ ودفع الآلام، وقد تتعارض اللذائذ والآلام، فما فيه لَذَة قوم قد يكون فيه إيلام لغيرهم، ولو قام شخص ما ليحكم في استيفاء لذائذه وإزاحة آلامه، لاستأثر باللذائذ الأقوياء، وأدى ذلك إلى الاختلال وعدم التوازن بين مصالح الناس.
لذا وضعت الشرائع قوانين للمعاملات والجنايات؛ لكي تمكن الناس من استيفاء حقوقهم.
وليس كل ما فيه ألم يستحق أن يُدْفع، ولا كل ما فيه لذة يجب أن يُجْلَب؛ فقد يجد الشخص في المشقة سعادة ما ويلتذ بالراحة؛ كالمريذ تلذْ له بعض المطعومات، ولكنها تسوق إلى منيته، ويشمئز من بعض الأطعمة وفيها غنيمة شفائه.
يقول الحقُ تبارك وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216].
فالمعتبر إذاً لواضع الشريعة إنما هو اللذة التي نطلق عليها اسم المنفعة أو المصلحة، والألم الذي نطلق عليه اسم المضرة أو المفسدة.
وتتفاوت هذه المنافع بحسب شدتها وضعفها، وطول بقائها وقصره، وبحسب ما تنتجه من نتائج.
والشريعة الإسْلاَمية العادلة هي مِيزَانُ المنافع والمضار، وهي التي تلاحظ ما يتفرع عنها من النتائج، ثم تفرض لها من الأحكام ما يطابقها ويلائمها.
الصفحة : 7
أَقْسَامُ الشَّرائِعِ
تنقسم الشرائع بصفة عامة إلى قسمين: سماوية، ووضعية، والشرائع السماوية هي ما نزل بها وحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والشرائع الوضعية هي ما استقر عليه الأمر من التقاليد البشرية التي وضعها البشر من تلقاء عقولهم.
ومن الملاحظ أن أصول جميع الشرائع السماوية واحدة؛ فهي تدعو كلها إلى توحيد الله - تعالى - وإفراده - سبحانه - بالعبودية والطاعات؛ يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
وتدعو الشرائع السماوية جميعها إلى أصول عامة وقواعد أساسية، يقوم عليها نظام الحياةح كالعدل، والمساواة، والحرية الصحيحة؛ كما تنهى عن الظلم والعدوان.
وقد نسخ الله - تعالى - من تعاليم الشرائع السابقة "الجزئيات" التي اقتضتها الظروف وطبيعة المكلفين، وأبقى منها ما يبقى به نظام المجتمع الإنساني، مستقراً على الأصل الذي دعت إليه تلك الشرائع.
بينما تختلف الشرائع الوضعية باختلاف الأمم؛ فكل أمة أو دولة لها جنسيتها وقوانينها الخاصة التي تختلف عن قوانين ونظم الدول الأخرى؛ وبهذا يظهر الفرق واضحاً بين الشرائع السماوية والوضعية؛ فالشرائع السماوية- كالإسلامية مثلاً- ترى أن المسلمين جنسية واحدة وأمة منفردة، مهما تفرقوا في شعاب الأرض ونواحيها؛ يقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
المقارنة بين نوعي التشريع السماوي والوضعي
1 - من حيث العقل والنظر:
لو تأملنا إلى حقيقة النفس البشرية، بما ركب فيها من النزعات النفسية والأهواء
الصفحة : 8
البشرية والإرادات الشخصية، لوجدناها كلها تتجه تلقاء ما يحقق أطماعها ويساير أهواءها بدافع الحرص على اللذائذ، والاستئثار بها، وهم أمام هذه الإرادات والنزعات، لا يرى المرء ما يراه لغيره؛ لأن العقل البشري قاصر الإدراك مهما بَعُد مرماه. والمشرع يجب ألا يكون لهذه الاعتبارات كلها أو لبعضها، بقية من أثر في نفسه، وليس للهوى سلطان عليه، عالماً بما تقتضيه روح التشريع، متنبئاً بما يمليه الغيب وما ستظهره الحقائق. ومعلوم أنه ليس في البشر من تكون له هذه المزايا، وتتحقق عنده هذه الصفات؛ ليقود البشر ويشرع لهم ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة. ومن هنا، نعلم أن التشريع الذي يصنعه العالم بهم والمطلع على ضمائرهم يكون أحفظ لمصالحهم، وأحكم نظاماً لهم.
2 - من حيث المُشَاهدة والواقع:
يشهد الواقع - في كل زمان ومكان - بما جاءت به الشريعة الإسلامية، وبما اقتضته من حماية الإنسان من المفاسد والمضار التي تلحق بدينه، وعرضه، ونفسه، وماله، وكل ما يعكر صفوه وهناءه، وبالغت في الحفظ والحرص؛ حتى لقد يكون الشيء في نفسه خالياً من المفسدة.
وهذا ما يدل عليه معنى التشريع المحكم الذي لا يتطرق إليه الفساد أو التناقض من أي وجه، فهل توجد في الشريعة الوضعية مثل هذه الأحكام؟
إننا لو نظرنا في الجرائم المتعلقة بالعرض والنفس والمال، وإلى جزاءات هذه الجرائم في كل من الشرائع الوضعية والسماوية - لوجدنا اختلافاً وبوناً شاسعاً بينهما.
فها هي مواد قانون العقوبات الوضعية تبين لنا الجزاء الواجب إيقاعه على كل سارق أو غاصب بأية كيفية، وبأي نوع من أنواع الاختلاس والاغتصاب، وذلك إما بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو المؤقتة، أو الحبس مع الشغل في الأعمال الشاقة، أو الغرامة. كما تقع هذه الجزاءات نفسها - عدا الغرامة - على كل من هتك العرض، وأفسد الأخلاق.
ومن الملاحظ أن هذه الجزاءات لا تنفذ إلا إذا وقعت هذه الجرائم على وجه الإكراه.
وبالتأمل في هذه الأحكام- ومدى تأثيره في النفوس- نرى أنها كفاح مخفف ودواء، يحد من ثورة هذه الجرائم من بقاء أصل الداء في الجسم؛ لذا نرى السارق- وقد تلقى جزاءه الذي قرره له القانون الوضعي- يعود إلى السرقة مرة أخرى؛ وهكذا بقية الجرائم.
أما إذا قطعت يد السارق، أو أُخذ بالقود من القاتل- كما قررت الشريعة الإسلامية- لكان ذلك زاجراً لكل أفراد المجتمع. إن الشريعة الإسلامية الغراء اعتبرت هؤلاء المجرمين من زناة، وسُرّاق، وقتلة عضواً أشل في المجتمع البشري، بل جرثومة فساد؛ فوضعت لهذه
الصفحة : 9