الكتاب : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ

في تصنيف : تفسير القرآن | عدد الصفحات : 1752

بحث في كتاب : عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُّ للهِ المتفضِّلِ بإنزالِ القرآنِ هدىً للناسِ، وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان. أنزلَه بأفصحِ لسانٍ، وأوضحِ بيانٍ، وأَسْطَعِ بُرهانٍ، وأقومِ تبيانٍ، وأبلغ حُجَّةٍ، وأبْينِ مَحجَّةٍ. ذا حِكَمٍ بالغةٍ وحُججٍ لامعة. أخبارُه لا تَتعارضُ، وأحكامُه لا تَتَناقضُ، وفوائدُه لا تُعدُّ، وفضائلُه لا تُحدُّ. وجواهرُ بحارهِ لا تُحصَى، ودُرَرُ معانيهِ لا تُستقصَى. عَجزتِ الفُصحاءُ عن معارضتهِ، ونَكصت الألبَّاءُ عن مُناقضتهِ. وكيف لا يكونُ كذلك وهو كلامُ ربِّ العالمين، المنزَّلُ به الروحُ الأمينُ، على قلبِ سيدِ المرسلين، وأفضلِ الأولين والآخرين؛ محمدٍ خاتمِ النبيّين. أرسلَه بآياتهِ، وأيَّدَه بمعجزاتهِ، والكُفرُ قد طَمتْ بحارُه، وزخرَ تيَّارُه. وعُبدتِ الأوثانُ، وأُطيعَ الشيطانُ. فلم يزلْ صلى الله عليه وسلم يجاهدُ في اللهِ حقَّ جهاده، ويَدعو إِليه الثَّقَلين من عباده. ويدأبُ في إِيضاحِ السُّبل، ويصبرُ صبرَ أولي العزم من الرسُل، إلى أن أنجزَ اللهُ وعدَه، فعُبد وحدَه، وهزم الشيطانَ وجندَه، وفلَّ شَباتَه وحدَّه، صلى الله عليه، وعلى آلهِ الأطهارِ، وصحابتهِ الأخيارِ، ما تعاقَبَ الليلُ والنهارُ، وسلَّم، وشرَّف، وكرَّم.
أما بعدُ، فإِنَّ علومَ القرآنِ جمَّةٌ، ومعرفتَها مؤكَّدةٌ مهمَّةٌ. ومن جُملتِها المحتاجُ إِليها، والمعوَّلُ في فهمهِ عليها، مدلولاتُ ألفاظهِ الشريفةِ، ومعرفةُ معانيهِ اللطيفة؛ إِذ بذلك يُترقَّى إِلى معرفةِ أحكامهِ، وبَيانِ حلالِه وحرامِه، ومناصي أقوالِه، وإِشارة مواعظهِ وأمثالهِ.
فإنَّه نزلَ بأشرفِ لغةٍ؛ لغة العرب المحتويةِ على كلِّ فنٍّ من العجب.
الصفحة : 1


وقد وضعَ أهلُ العلمِ، رحمهم اللهُ تعالى، في ذلك تصانيفَ حسنةُ، وتآليفَ مُجرَّدةً مُتْقنةً، كـ «غريبِ» الإمام الحَبْر الرّبانيِّ أبي عبيدٍ أحمدَ بنِ الهَرويّ، وكـ «غريبِ» محمدِ بنِ بكر بنِ عُزَيزٍ السِّجستانيّ، وكـ «مفرداتِ الألفاظِ» لأبي القاسم، الراغب الأصبهانيّ. غير أنَّهم لم يُتمُّوا المقصود من ذلك لاختصارِ عباراتِهم، وإيجازِ إِشاراتهم.
على أن الراغبَ، رحمه الله قد وسَّعَ مجالَه، وبَسطَ مقالَه بالنسبةِ إِلى مَن تقدَّمَه، وحَذا بهذا الحَذوِ رسمه. غيرَ أنَّه، رحمه اللهُ تعالى، قد أغفلَ في كتابِه ألفاظًا كثيرةً، لم يتكلّمْ عليها، ولا أشارَ في تصنيفِهِ إليها، مع شدَّةِ الحاجة إلى معرفتها، وشرح مَعناها ولُغتِها، مع ذكرِه لبعضِ مواد لم تَردْ في القرآنِ الكريم، أو وَردتْ في قراءةٍ شاذَّةٍ جدًا، كمادَّةِ (ب ظ ر) في قوله تعالى: (واللهُ أخرجَكُم مِن بُظورِ أمَّهاتِكم) [النحل: 78]، وهذه لا يَنْبغي أن يُقرأ بها البتَّةَ.
فممَّا تركَه، معَ الاحتياجِ الكليِّ إِليه، مادةُ (ز ب ن) وهي في قولهِ تعالى: {سَندْعُ الزَّبانيةَ} [العلق: 18]. ومادةِ (غ وط) وهي في قوله تعالى: {مِنَ الغائطِ} [المادة: 6] ومادةِ (ق ر ش) وهي في قولهِ تعالى: {لإيلافِ قريشٍ} [قريش: 1]. ومادة (ك ل ح) وهي في قولهِ تعالى: {كالِحُون} [المؤمنون: 104]. ومادةِ (هـ ل ع) وهي في قولهِ تعالى: {هلوعًا} [المعارج: 19]. ومادة (ل ج أ) وهي في قوله تعالى: {لو يجدونَ مَلجَأً} [التوبة: 57]. ومادةِ (س ر د ق) وهي في قولهِ تعالى: {أحاطَ بِهم سُرادِقُها} [الكهف: 29]. ومادةِ (ح ص ب) وهي في قولهِ تعالى: {حَصَبُ جَهنَّمَ} [الأنبياء: 98]، {حاصبًا} [الإسراء: 68]. ومادةِ (م ر ت) وهي في قولهِ تعالى: {وماروت} [البقرة: 102]. ومادةِ (س ف ح) وهي في قوله
الصفحة : 2


تعالى: {أو دمًا مسفوحًا} [الأنعام: 145]. ومادةِ (ن ض خ) وهي في قولهِ تعالى: {عينانِ نضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66]. ومادةِ (ق د و) وهي مذكورةٌ في قولهِ تعالى: {مُقتدون} [الزخرف: 23]، {فَبِهُداهُم اقْتدِه} [الأنعام: 90]. إِلى غير ذلك ممَّا لستُ بصددِهِ الآنَ.
ولم أورِدْ ذلك -عَلِمَ اللهُ- غضًّا منهُ، ولا استقصارًا له؛ فإِنَّ القرآن العظيمَ مُعجِزُ كلِّ بَليغٍ. وإِنما قصدتُ التَّنبيه على ذلكَ، ومعرفةَ ما هنالك.
فلما رأيتُ الأمرَ على ما وُصفَ، والحالَ كما عُرف، ورأيتُ بعضَ المفسِّرين قد يفسِّرُ اللفظةَ بما جُعلتْ كنايةً عنهُ، كقولِهم في قولهِ تعالى: {والشجرةَ الملعونةَ} [الإسراء: 17]. هي أبو جهلٍ. أو بغايتها وقُصارَى أمرِها، وكقولهم في قوله تعالى: {والباقياتُ الصالحاتُ} [الكهف: 46] هي كلماتُ: سبحانَ اللهِ، والحمد لله، ولا إِلهَ إَلا اللهُ، إلى غير ذلك مما ليستْ موضوعةً له لغةً. استخرتُ اللهَ القويَّ، الذي ما نَدمَ مُستخيرُهُ، واستجرْتٌ اللهَ بكرمهِ، الذي ما خابَ مستجيرُه، في أن أحذُوا حذْوَ القومِ ليتُمَّ عليَّ بركتَهم، وأُلحقَ بالحشرِ في زُمرتِهم. فأذكرُ المادةَ -كما ستَعرفُ ترتِيبَهُ- مفسِّرًا معناها. وإن عثرتُ على شاهدٍ من نظمٍ أو نثرٍ أتيتُ له تكميلاً للفائدة. وإِن كان في تصريفها بعضُ غموض أوضحته بعبارةٍ سهلة إِن شاءَ الله. وإِن ذكرَ أهلُ التفسيرِ اللفظة وفسَّروها بغيرِ موضوعِها اللغويِّ، كما قدَّمتُه، تعرَّضتُ إليهِ أيضًا، لأنه والحالةُ هذهِ محطُّ الفائدة.
ورتَّبتُ هذا الموضوعَ على حروفِ المعجمِ بترتيبها الموجودة هي عليهِ الآنَ. فأذكرُ الحرفَ الذي هو أولُ الكلمةِ، معَ ما بعدَه من حروفِ المعجم، إِلى أن ينتهي ذلك الحرف مع ما بعده، وهلمّ جرّا إِلى أن تنتهي، إِن شاءَ الله تعالى، حروف المعجم جميعُها.
ولا أعتمدُ إِلا على أصولِ الكلمةِ دونَ زوائدِها؛ فلو صُدِّرتْ بحرفٍ زائدٍ لم أعتبرْهُ، بل أعتبرُ ما بعدَه من الأصولِ مثلَ: «أنعمتَ» تطالُه من بابِ النونِ لا مِن باب الهمزةِ.
الصفحة : 3


ومثل: «نعبدُ» و «نَستعينُ» يُطلبانِ من بابِ العَينِ لا من بابِ النون. ومثل: «مُكرمٍ» يُطلبُ من بابِ الكافِ لا مِن بابِ الميم. وكذلك لو عَرضَ في المادةِ حذفُ أوَّلها فإِنَّني أعتمدُهُ دونَ ما بعدَه مثل: «يعدُهم» يُطلب من بابِ الواوِ لأنه من الوعدِ، لا منَ العينِ. وكذلك لو عَرضَ فيهِ البدلُ، فإِنني أعتبرُ أصلَه مثل: «إِيمان» من بابِ الهمزةِ لا من بابِ الياءِ، لأنَّها فيه عارضةٌ، إِذ أصلُه «إِإِمان» كما ستعرفُه لمن شدّ. . . (¬1) من علمٍ أسموهُ إِعرابًا وتصريفًا، فهو الذي. . . (¬2)
وأما مَن عداهُ فلا ينتفعُ منهُ إلا بمجردِ تفسيرِ لفظٍ نحو مَعرفتهِ أنَّ «الأبَّ» هو المرعَى و «الزَّبانية» هم الأَعوانُ، إِلى نظائرِ ذلك. وإذا كان الحرفُ مُفردًا، وقد جاءَ لمعنى، كهمزةِ الاستفهامِ، وباءِ الجر ولامهِ، أبدأُ بهِ ثم أذكرُهُ مع غيرِه، إلى آخر الحروفِ كما قدَّمتهُ نحوَ: «أب، أبدًا».
وسميتهُ بـ عمدةِ الحفاظِ في تفسيرِ أشرفِ الألفاظ. وعلى اللهِ الكريمِ أعتمدُ، وإليهِ أفوِّضُ أمري وأستندُ. فإِنه نعمَ المولى، ربُّ الآخرة والأُولى.
¬__________
(¬1) كلمة غير واضحة في الأصل.
(¬2) فراغ في الأصل.
الصفحة : 4


باب الهمزة المفردة
ويطلق عليها الألف
فالألف تارةً تكونُ عبارةً عن الحرفِ الذي هو همزةٌ، وتارةً عن حرفِ المدِّ واللِّينِ، وذلك كوسطِ «قال» ولا غرضَ لنا فيها لأنها لا يُبتدَأُ بها. وإِنما صُورتِ الهمزةُ ألفًا في الخطِّ لأنها لا تقومُ بنفسها لإبدالها واوًا في الضمِّ وألفًا في الفتح وياءً في الكسر، نحو: مُومن، وراس، وبِير. وبعضُهم يصورُه صورةَ عَينٍ صغيرةٍ، نحو «ء»، إِذا عُلم ذلك.
فالهمزةُ تكون للاستفهامِ ولها أخواتٌ، وهي أمُّ الباب. ولذلك تنفردُ بأحكامٍ بيَّنتُها في مواضعِها. ومعناها فيه لطلبِ التصديق نحو: أزيدٌ قائمٌ؟ أو التصوُّرِ نحو: أدبسٌ في الإناءِ أم عسلٌ؟ وقد يقعُ الاستفهامُ بها إنكارًا وتَعريضًا وتَوبيخًا نحو: {أأنتُم أنشأتُم شَجرتَها}؟ [الواقعة: 72]. وقولِ عامرٍ: «أغُدَّةٌ كغدَّةِ البعيرِ وموتًا في بيتِ سَلوليَّةٍ».
وقوله: [من الطويل].
1 - أفي السِّلمِ أعيارًا جَفاءً وغِلظةً ... وفي الحربِ أمثالَ النساءِ العوارك
وبعضُهم يقولُ: الهمزةُ للاستخبارِ، ليعمَّ الاستفهامُ والإنكارُ والتَّبكيتُ والنفيُ والتسويةُ، نحو: {أجَزعْنا أم صبَرْنا} [إبراهيم: 21]. وإذا دَخلتْ على نفيٍ قرَّرتْه كقوله
الصفحة : 5